IMLebanon

إشكالات لبنانية في العلاقات مع السعودية

 

الاحتفال باليوم الوطني السعودي هو أشبه بحفل وطني لبناني، لأن معظم الأطياف والأحزاب والقوى السياسية يحرصون على المشاركة فيه، تأكيداً على أهمية العلاقات الأخوية التي تربط البلدين الشقيقين، وتقديراً لما قدّمته المملكة، وما زالت تقدّمه، للبنان واللبنانيين، على اختلاف طوائفهم ومناطقهم، من دعم وتمويل للمشاريع الإنمائية والاجتماعية.

والعلاقات اللبنانية – السعودية قديمة ومتجذرة، أرسى قواعدها مؤسس الدولة السعودية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، ورجال الاستقلال اللبناني، وفي طليعتهم الرئيسان بشارة الخوري ورياض الصلح، ونسجت أواصر المصاهرة والقربى إطاراً فريداً من المحبّة والتفاهم والتعاون بين الشعبين الشقيقين.

ورغم أن المملكة وقفت مع الشقيق الأصغر في كل الحروب والملمات، وساهمت بفعالية في لملمة الصفوف، وتضميد الجروح، سواء في مؤتمر الطائف، أو ما قبله أو ما بعده، وصولاً إلى إعادة إعمار ما دمّرته حرب تموز الإسرائيلية عام ٢٠٠٦، إلا أن لبنان لم يستطع أن يرد للسعودية بعض ما لها من مواقف كبيرة ومساندات قوية، في الوقوف إلى جانبها في المواجهة الحالية مع إيران، وجماعاتها في اليمن، والدفاع عن أمنها الوطني، والنظام العربي برمته!

والحرص اللبناني، الرسمي والشعبي، على أطيب العلاقات مع السعودية، يتطلب التعاطي مع هذا الملف الاستراتيجي بكثير من اليقظة والاستيعاب، بغية تنقية الأجواء بين البلدين من شوائب وإشكالات أدّت إلى برودة من الجانب السعودي تجاه لبنان حيناً، وإلى إعادة النظر بكثير من الوقائع التي كانت، حتى الأمس القريب، تعتبر من المسلمات.

لم يعد خافياً أن الرياض تنظر بكثير من السلبية إلى العديد من المواقف الرسمية المتأرجحة بين المعارضة العلنية للسياسات العربية، وقرارات الأكثرية العربية في المحافل العربية والإسلامية والدولية، وبين التهرّب من التصويت والتعبير عن معارضة ضمنية للمواقف العربية، ولا ضرورة للتذكير بما حصل في السنتين الأخيرتين.

ثمة انتقاد سعودي مرير للطريقة «اللبنانية» في تطبيق سياسة النأي بالنفس، والتي يلتزم بموجباتها أصدقاء وحلفاء المملكة في لبنان، في حين لا يوفر الفريق المؤيد لمحور طهران، وخاصة «حزب الله»، أي فرصة للتهجّم على المملكة وقيادتها، من دون الأخذ بأي اعتبار لمتطلبات مبدأ النأي بالنفس، الذي تم التوافق عليه في البيان الوزاري الذي وافق عليه مجلس النواب، ومنح على أساسه الثقة للحكومة.

وأدت التهجمات المتكررة على المملكة ورموزها الوطنية، إلى حالة من النفور لدى شرائح واسعة من الشعب السعودي، وظهرت دلائل هذا الغضب والنفور في وسائل التواصل الاجتماعي، بالنسبة للشباب، في حين بادر العديد من رجال الأعمال والمستثمرين السعوديين، إلى تخفيض حجم أعمالهم في لبنان، وعمد آخرون إلى الانسحاب الكامل، لدرجة عرض ممتلكاتهم العقارية، من بيوت وفيلات للبيع، بأسعار مَن يريد أن يترك البلد بأي ثمن!

أما الحركة السياحية فما زالت في حكم المعلقة بين البلدين، لاعتبارات أمنية من الجانب السعودي، حيث تعرّض عدد من الشخصيات السعودية، وبينهم أمراء من العائلة المالكة، إلى مضايقات وضغوطات، قضت بإصدار تعليمات بتجنب الذهاب إلى لبنان، إلا للضرورات القصوى، على أن يتحمّل صاحب العلاقة كامل المسؤولية.

أما العلاقات الاقتصادية والمبادلات التجارية، فليست على الحالة التي كانت عليها قبل فترة البرودة الحالية، وإن كان إقفال معبر نصيب على الحدود السورية – الأردنية قد لعب دوراً في تراجع الصادرات اللبنانية، إلا أن تجاوز أزمة المعبر لاحقاً لم يُغيّر من هذا التراجع شيئاً، بل لعل العكس هو الصحيح. وتجلى مشهد الواقع الجديد بشكل واضح وصريح، في المؤتمرات الاقتصادية العربية التي شهدتها بيروت في العامين الأخيرين، والتي غاب عنها الحضور السعودي، بعدما كان في السابق الأكثر حماساً وتعاوناً في المناسبات المماثلة.

أما على مستوى الزيارات الرسمية، فتكاد تكون شبه معدومة من الجانب الحكومي السعودي، وتقتصر زيارات المسؤولين اللبنانيين إلى المملكة على حضور المؤتمرات الإقليمية أو الإسلامية، أما رحلات الوفود الاقتصادية اللبنانية المتكررة إلى الرياض وجدّة، فلم تحقق الأهداف المرجوة منها، في ظل هذا المناخ الثقيل الذي يظلل العلاقات اللبنانية – السعودية.

فهل يُدرك المسؤولون مخاطر استمرار وتفاقم هذه الإشكالات مع المملكة السعودية، الشقيقة الكبرى، وانعكاساتها على مصالح لبنان وكل اللبنانيين؟