IMLebanon

اللبنانيون في الإقامة الجبرية

 

لم يعش اللبنانيون في حياتهم ما يعيشونه اليوم من إجراءات تعمل على تضييق الخناق عليهم مالياً واقتصادياً. لا ذنب لهم في كل ما يجري سوى أنهم أدمنوا في كل انتخابات نيابية على إعادة إنتاج الطبقة السياسية نفسها تقريباً. حتى التغيير الجزئي الذي حصل اعتباراً من العام 2005 مع دخول “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” إلى الندوة البرلمانية والحكومات المتعاقبة لم يحقق الأهداف المرجوة منه، بفعل أن “التيار” اندمج مع الطبقة السياسية الموجودة وبات جزءاً لا يتجزّأ منها، وبفعل أن “القوات” وإن لم تشارك في الفساد إنما تجري حسابات سياسية محافظة جداً تدفعها للتحالف دائماً مع فاسدين!

 

لكن الخلاصة الواقعية اليوم أن اللبنانيين بمختلف انتماءاتهم الطائفية والمذهبية والحزبية، وباستثناء قلّة قليلة من أصحاب المليارات من الذين تمكنوا من تهريب أموالهم إلى الخارج، باتوا “أسرى” في السجن اللبناني الكبير أو على الأقل هم في ما يشبه الإقامة الجبرية بفعل نوعية الإجراءات المفروضة عليهم.

 

يبدأ السيناريو من تشديد الإجراءات المصرفية على عمليات السحب بالعملات الأجنبية، إضافة إلى منع التحويلات الى الخارج، مع العلم أن آلاف الطلاب اللبنانيين يدرسون في الخارج وكانوا يتلقون تحويلات من ذويهم لتغطية مصاريفهم وحاجاتهم اليومية، وباتوا اليوم متروكين من دون سند لأن أهلهم في لبنان باتوا شبه “مسجونين” بمعنى أنهم معزولون عن إمكانية القيام بمعاملات مصرفية لإعانة أبنائهم.

 

ويُستكمل المشهد تحت شعار منع إخراج الأموال من لبنان بإجراءات تعطيل شبه كامل لبطاقات الإئتمان الصادرة عن المصارف اللبنانية في الخارج، فبات أي لبناني في الخارج عاجزاً عن استعمال بطاقته الائتمانية التي تمّ وقفها وإما تحديد سقفها بمبلغ لا يكفي لعشاء في مطعم بما يشبه وقفها عملياً.

 

وتتحدث معلومات عن توجه لخفض قيمة المبالغ النقدية المسموح لأي لبناني بإخراجها معه عبر المطار من 10 آلاف دولار إلى ألفي دولار، بما يلغي عملياً إمكانية اللبنانيين حتى للخروج في نزهة للسياحة، بما يؤكد أننا بتنا في “إقامة جبرية” غير معلنة. وتكتمل الصورة مع واقع أن الأكثرية الساحقة من السفارات الغربية اتخذت إجراءات مشددة في موضوع منح التأشيرات للبنانيين!

 

ماذا بعد؟ وإلى أين؟

 

الثابت أن كل الإجراءات المُتخذة لا تطال أصحاب الأموال في لبنان، وأكثرية ساحقة من بينهم استفادت بقوة بشكل أو بآخر من الفساد الذي استشرى في المراحل السابقة والذي يستمر حتى اليوم. الإجراءات المتخذة إنما تستهدف الطبقات المتوسطة والفقيرة في لبنان وتعمد إلى تحميلهم تبعات فساد أكثرية الطبقة السياسية وأصحاب الأموال، الذين لم يتأثر نمط حياتهم بكل الإجراءات المتخذة في حين يعاني بقية اللبنانيين الأمرّين. فهل مطلوب من الشعب اللبناني أن يدفع فاتورة الفساد السياسي مرتين، مرة بإغراق لبنان بالدين العام عبر نهب الخزينة بسبب الفساد والصفقات وتمويل الزعماء والماكينات الحزبية، ومرة ثانية بنهب جيوب الناس ومدخراتهم والإصرار على إفقارهم للتغطية على الفساد السياسي؟!