IMLebanon

السلاح والدولة: يبقى لبنان أم يزول؟

 

 

 

أية دولة مكتملة المواصفات تمتلك حصرياً السلاح وقرار تحريكه. هذا الأمر يحتم عدم وجود أية قوة مسلحة (بأي حجة كانت وتحت أي مسمى) على أرض الوطن خارج إطار القوات المسلحة للدولة (الجيش، الأجهزة الأمنية، الجمارك والدفاع المدني)، كما يحتم أن لا يكون قرار الحرب والسلم إلا في يد السلطة السياسية للدولة المتمثلة بمؤسساتها الدستورية (رئاسة الجمهورية، المجلس النيابي والحكومة) المفترض أن تعمل وفق دستور البلد المنبثق من العقد الاجتماعي – السياسي الذي ارتضاه الشعب والذي يعكس إرادته بالعيش معاً في ظل نظام دولة يُعبّر خير تعبير عن البنية التحتية للمجتمع.

 

الحكومة تضع السياسة الدفاعية وفق لوحة الأصدقاء والأعداء تعبيراً عن المصلحة الوطنية وفق العقد الاجتماعي الذي توافق عليه الشعب. والجيش يترجمها إلى استراتيجية دفاعية ومن ثم إلى خطط عسكرية.

 

أما اتفاق الطائف الذي يحتوي على شق كياني أدخل في الدستور كمقدمة له (وهو يعطي جواباً على تساؤل «أي لبنان نريد؟»)، شق إصلاحي تحول إلى جزء من الدستور وشق سيادي أتى تحت عنوان «بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية» أول بند فيه هو حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية.

 

من تابع وساهم عملياً في ولادة هذا الإتفاق يدرك تماماً أن هدفه الحقيقي والنهائي هو بناء «الدولة اللبنانية القوية والقادرة»، كما جاء على متن الإتفاق وأنه يحتوي ضمناً على آلية تنفيذه.

 

غير أن التنفيذ أتى مشوهاً نتيجة أن المجتمع الدولي بأسره والعالم العربي وإسرائيل أعطوا لحافظ الأسد اليد الطولى في لبنان.

 

فأصبحت الدولة شكلية، فاقدة لسيادتها، يُعين مسؤوليها الوصي السوري. وقد حّور بند بسط سيادة الدولة وأبقى على احتلاله للبنان، كما حّور بند «تحرير لبنان من الإحتلال الإسرائيلي» الذي هو بالأصل على عاتق الدولة اللبنانية ووضعه في يد حزب الله من أجل استثنائه من الحل كسائر الميليشيات اللبنانية الأخرى بحجة أنه مقاومة. كما أعطاه الوصي السوري وكالة حصرية بمقاومة الإحتلال الإسرائيلي، ترجمة للتحالف الإستراتيجي الذي ربط النظام الأسدي مع الجمهورية الإسلامية في إيران منذ نشأتها.

 

أما قرار مجلس الأمن 1559 (2 أيلول 2004)، فهو قرار دولي وليس أميركي. وهو «يدعو إلى حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها»، وهو يتكامل تماما» مع إتفاق الطائف نصاً وروحاً، تم إجهاضه عبر تقاعص 14 آذار في عام 2005 عن المطالبة بتنفيذ هذا البند واستمهال المجتمع الدولي لمعالجته عبر حوار لبناني – لبناني، ظاهره الحفاظ على الوحدة الوطنية وباطنه «الغولنة» في السعي لتحصيل السلطة عبر الإنتخابات النيابية (الاتفاق الرباعي).

 

فلا عيب إطلاقاً بالمطالبة بتنفيذ القرار 1559. وكفى دجلاً من هذا البعض في الوقوف على خاطر حزب الله، واعتبار أن الوقت لم يحن والتخوف الوهمي من حرب أهلية والتخوف على وحدة وطنية غير موجودة بين أطراف السلطة (مولاة ومعارضة) والإحساس بالعيب والحياء لأن هذا القرار أميركي ولأن أميركا حليفة إسرائيل.

 

معيارنا عند صياغة مواقفنا يجب ان يكون حصراً «لبنان أولا وأخيرا». فإذا تعارضت مصلحة لبنان مع مصلحة أميركا (مثل في مرحلة الوصاية السورية) نعارض السياسة الأميركية من دون أن نعاديها (لأن لا مصلحة للبنان لمعاداتها)، وإذا تطابقت مع مصلحته لا مستحى في التناغم معها.

 

بالإضافة إلى ما سبق، يجب التذكير أن القرار 1701 الذي تعلن السلطة اللبنانية جهارة تبنيه وتحاجج على أنها ملتزمة به (وهو ليس الواقع) وأن إسرائيل هي من تخرقه (وهذا صحيح)، يذكر ثلاث مرات القرار 1559 بمعنى أن هذا الأخير يشكل  الهدف النهائي للقرار 1701.

 

«یشـدد (مجلس الأمن) علـى أهمیة بسـط سیطرة الحكومـة اللبنانیة علـى كـل الأراضي اللبنانیة، عمـلاً بأحكام القرار 1559) 2004 (والقـــرار 1680) 2006، (والأحكـــــام المرتبطــــة والــــواردة فـــي اتفــــاق الطــائف حــول ممارســة كامــل ســیادتها وســیطرتها، فــي شــكل لا یتــرك أي مجــال لأســلحة أو سلطة غیر سلطة الدولة اللبنانیة».

 

هذا ما جاء في متن القرار 1701 وهو يبرز التكامل بين الـ1559 والـ1701 واتفاق الطائف. ولا يزال هذا الاتفاق في مرحلة وقف العمليات الحربية بين حزب الله وإسرائيل ولم يبلغ مرحلة «وقــف مســتمر لإطــلاق النــار، وحــل طویــل الأمــد للنزاع».

 

إن الأخطاء الاستراتيجية التي إقترفتها الأطراف الرئيسية لـ14 آذار نتيجة نهمها للسلطة، وآخرها الإتفاق مع حزب الله على رئاسة الجمهورية للجنرال ميشال عون وما تبعها، بالإضافة إلى سياسات منظومة الفساد المزمنة، أدت إلى الوضع المأساوي الذي يعيشه لبنان اليوم.

 

ولا بد هنا من الجواب على الذين يرون أن سلاح حزب الله هو الذي يحمي لبنان ولا سيما جنوبه من خلال سياسة توازن الرعب بينه وبين إسرائيل ويمنعها من استباحة أرضه ومياهه وغازه.

 

إن العلاقة جدلية بين تسلح حزب الله الذي يشكل رأس رمح محور المقاومة التي تتخطى أهدافها حماية لبنان وصولاً إلى تحرير القدس وكامل التراب الفلسطيني من جهة، والتسلح الإسرائيلي المقابل. إن هذا المسار لا بد أن ينتج حرباً مدمرة عاجلا أو آجلاً للبنان حتى لو تضررت إسرائيل.

 

من وجهة نظر المصلحة اللبنانية، لا شك أن تسليم حزب الله سلاحه للجيش يمكّن هذا الأخير من الحفاظ على سلامة الأراضي اللبنانية، ولا شك أن بناء الدولة القوية والقادرة المبنية على وحدة اللبنانيين الحقيقية وفق ما نصت عليه مقدمة الدستور تشكل الحماية الحقيقية لكل اللبنانيين دون استثناء، ولا شك أن القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان وعودة العمل باتفاقية الهدنة 1949 على أن يكون لبنان آخر الدول العربية التي تمضي اتفاق سلام مع إسرائيل إذا وصلت الأمور إلى هذا الحد، كفيلة بتأمين حرية وكرامة واستقلال لبنان وسلامة أراضيه وعافيته الاقتصادية والمالية.

 

كفى لبنان لعب أدوار تفوق قدراته، كفاه أن يكون رأس رمح لأي مشروع إقليمي أو دولي. حان الوقت للبنانيين أن يتوحدوا على شعار واحد «لبنان أولاً وأخيراً» لأن المسالة باتت أن يبقى لبنان أو يزول.