IMLebanon

لبنان والوقت المهدور

 

ترخي الأيّام اللبنانيّة ثقلها على شعبٍ عالقٍ في دائرة مقفلة ومرهقة، لا أفق..لا حلّ.. ولا قرار بيد اللبنانيين، لبنان مختطف منذ زمن بعيد، وبات هذا الاختطاف معلناً ورسميّاً عبر الإصرار على شلّ عمل الحكومة، والجهة الخاطفة معلومة، ربما في ثمانينات القرن الماضي كانت تخطف الطائرات، وتفجّر السفارات، وتنفّذ تفجيرات إرهابيّة في لبنان وفي البحرين وفي الكويت، اليوم استتبّ لها أمرُ اختطاف المدن والدول والشعوب، ونحن في لبنان في وضع لا نحسد عليه، كل السلطات السياسية في مقبوض عليها بكلمة من «مرشد الجمهورية اللبنانيّة» أمين عام حزب الله حسن نصرالله في بيروت ، وبإشارة من يد الوليّ الفقيه في طهران!!

 

«لاَ تَضَعْ يَدَكَ مَعَ الْمُنَافِقِ لِتَكُونَ شَاهِدَ ظُلْمٍ» [يعقوب ٣:١٤]، من قبلنا قالوا «الوقت حلال المشاكل»، لكن في لبنان الوقت مهدور ولا يحلّ مشكلة بل بالعكس يفاقمها، ولا تزال سياسة الهروب إلى الأمام، بل الهروب من مواجهة الأزمات وحلّها سيّدة الموقف، من قبلنا وصفوا حالنا فقالوا: «الفقر كابس والرزق حابس»، وأسوأ من هذا التوصيف فجاجة حال ينطبق علينا بدقّة أنّ «بين السّابق والمسبوق دقة خازوق» ولبنان قاعد عليه منذ زمن بعيد وسيبقى على ما يبدو حتى يلفظ أنفاسه، ولم يعد ذلك ببعيد!المصارحة؛ أقصر طريق لقول الحقائق لأنفسنا، والمصارحة تقود كل طرقها إلى تعرية «الأكذوبات» السياسية المسمّاة قيادات، والمصارحة تقتضي أن لا نكذب على أنفسنا ولا على القارئ، يحتاج هذا البلد إلى عقلاء حقيقيّين، عقلاء يقدّمون مصلحة البلد على مصالحهم الشخصية ومكاسبهم الآنيّة، ولكن هيهات!

 

مثال واحد كافٍ لتوضيح الحال المرير الذي يعيشه اللبنانيّون هل تذكرون عندما خرجوا علينا بنظريّة «أن الحل في تصدير النفايات» بعد أزمة استمرت خمسة أشهر أغرقوا البلد فيها بالنفايات ولم يفهم اللبنانيّون وقتها عمليّة هدر الوقت الممنهجة التي انخرطت فيها الحكومة العاجزة حتى عن اتخاذ قرار لحل أزمة نفايات حتى في زمن الحرب الأهليّة لم تتظهر بذاك العنف والعجز، وقتها لم نجد مسؤول واحد يتحمّل مسؤولياته، ومع الوقت تبيّن أن الحديث عن تصدير النفايات أكذوبة كبرى، اليوم عادوا إلى الحديث عن أزمة النفايات في توقيت صيفي مشابه ربما لتمرير المحارق وأشياء أخرى، هذا غيض من فيض المرارة التي تملأ صدور اللبنانيين من هذا الحكم ومن الحكم الذي سبقه والذي سبقه وهكذا كلّهم عيّنة واحدة، وإذا كان الحال كذلك في النفايات فكيف الحال في السياسات؟!

 

يشبه وضع لبنان السياسي اليوم، وضعه في مطلع ثمانينات القرن الماضي ما بعد اغتيال الرئيس بشير الجميل عام 1982 وتهجير القوات المتعددة الجنسيّة عام 1983 والانقلاب الشباطي الذي نفذ بتوجيه ورعاية خمينية ـ أسدية والذي كان النسخة الأولى من 7 أيار العام 2008 وأفضى لوضع اليد على الدولة اللبنانية، تلك المرحلة التي أفضت إلى حرب مدمّرة تلاها اتفاق إقليمي ـ دولي، هو اتفاق الطائف، السيناريو يعاد بوجوه أكثر وقاحة وأبلسة ومع أجندة فاضحة، تترك البلاد غارقة في العجز والشلل والانهيار!

 

لا تزال أبيات الشاعر المبدع أحمد مطر أفضل ما يختصر واقع لبنان السياسي وأبالسته: «وجوهكم أقنعة بالغة المرونة/ طلاؤها حصافة، وقعرها رعونة/ صفّق إبليس لها مندهشاً، وباعكم فنونه/ وقال: إني راحل، ما عاد لي دور هنا، دوري أنا أنتم ستلعبونه».