IMLebanon

لبنان في غرفة العناية الأميركيّة

كان الحديث يدور حول زيارة البرلمانيّين الفرنسيّين الأربعة إلى سوريا، ومهمّة الموفد الأممي ستيفان دو ميستورا، قبل أن يتطوّر النقاش إلى الشأن اللبناني. في الكولسات الديبلوماسيّة مقاربات من نوع آخر، تنطوي على شيء من الدفء والاطمئنان، وأيضاً على مخاوف كثيرة في ظلّ استمرار المحاصَصات والمحسوبيات المفرطة.

ما يسترعي الانتباه، أنّ البلدَ ممسوك أميركيّاً انطلاقاً من الآتي: قبل أيام حصلَ استصدار بـ«اليوروبوند»، واكتتاب بـ 2,2 مليار دولار، وتمَّ إخراج ذلك وسط عراضة إعلاميّة مسلّحة بكلام كبير، عن أهمّية لبنان ودوره، وطهارة ونقاوة سياسيّيه، ومتانة مؤسساته، خصوصاً المصرفيّة… إلى آخر ما ضمَّته الشاشات من حلاوات.

ثمّة مَن يُدقّق في الوسط الديبلوماسي، ويضع النقاط على الحروف، ويؤكّد الغطاء الأميركي – الدولي، إنطلاقاً من الدور الذي لعبَته المؤسسة المصرفيّة «سيتي غروب» الأميركيّة، التي أوحَت، وأسهمت، وشجّعت المصارف الوطنية والأجنبيّة على الإكتتاب.

أمّا الإضافات التي تمَّ تداولها، فتستدعي التهيّب: «وزارة الخزانة الأميركيّة تعرف كلّ شيء عن الواقع المالي – المصرفي. وريقة واحدة تصدر عنها، وتتناول وضعية مصرف ما، من شأنها أن تُحدِث تسونامي مدمّرة. الولايات المتحدة تؤكّد مرّةً أخرى، ومِن خلال الإصدار الأخير، أنّها لا تريد التفريط بهذا البلد الذي لا يزال يقوم على دعامتين: الجيش، والقطاع المصرفي».

أمنيّا: يبدو المنظر الوطني من تلال جرش أكثر وضوحاً. إنقشاع إستراتيجيّ، تحَكّم بالمعابر وطرُق الإمداد، رَصدٌ أفضل لتحرّكات العدوّ، والإمساك بزمام المبادرة بعد الانتقال من وضعيّة الدفاع إلى وضعيّة الهجوم.

في الكولسات الديبلوماسيّة تقويم من نوع آخر: أثبَت الجيش قدرةً، ومهارة، وتماسكاً، وشجاعة. أمسَك بمواقع إستراتيجيّة. قضى على أحلام «داعش»، و«جبهة النصرة» باستحداث دويلة في ذلك الغضروف الجبَلي الصعب الملاصق للحدود. وأحدَث واقعيّة في الحياة السياسيّة المترَفة بالكيديات والمذهبيات. كانت محاولته الناجحة بمثابة جرَس إنذار في رسم الجميع: «الخطر الإرهابي لا يزال على الأبواب».

أمّا الرسائل المتداولة في الكولسات فتقتصر على نوعيات ثلاث: الأولى حول التسليح، تريد الولايات المتحدة أن تؤكّد «مسؤوليّتها الحصريّة» في هذا المجال. هناك كلام كبير عن سلاح فرنسي، وأردني، وإيراني، وروسي، والنتيجة الثابتة والنهائيّة «أن لا سلاح يصل إلى الجيش إلّا عبر المصفاة الأميركيّة… ونقطة عالسطر».

الرسالة الثانيّة، أنّ السلاح مهمّ، لكن الأهم هو المعلومة الإستخباراتيّة، والتخطيط، وروح المبادرة، والمعنويات العالية، والجيش يتمتّع برصيد عالٍ من المناقبيّة، وفق المرصد الأميركي. الثالثة، تسنيد مداميك الوطن من الانهيار، خصوصاً تحت وطأة الإرهاب. إنّ دعمَ الجيش، والوقوف إلى جانبه في إنجازه خطوات مقدامة ناجحة وصامدة هو مِن الأولويات الأميركيّة تجاه لبنان.

سياسيّاً: العودة إلى جلسات مجلس الوزراء ليسَت نزوة. على اللبنانيين أن يقرأوا جيّداً في كتاب الواقعيّة السياسيّة هذه الأيام. كانت الأولوية الأميركيّة

– الغربيّة لإسقاط الرئيس بشّار الأسد في سوريا، أصبحَت لمكافحة الإرهاب. ستيفان دو ميستورا يكمِل مهمته، لم يُحقّق خروقاً تُذكر، لكنّه لم ييأس، ولديه شيء قد وضعَه على نارٍ هادئة. المعلومات الجديدة الواردة تفيد بأنّ إدارة الرئيس فرنسوا هولاند كانت تعلم برحلةِ النوّاب الأربعة إلى المجاهل السوريّة، والزيارة تمَّت بتشجيع وتنسيق مسبقين.

سياسة لوران فابيوس لم تؤدِّ إلى إقصاء الأسد، بل إلى «شارلي إيبدو»، وأدرَكت دوائر الأمن بأنّه لا بدّ من تعاون مخابراتي مع دمشق لحماية الساحة الفرنسيّة قدر الممكن والمستطاع من التردّدات الإرهابيّة.

أولويات الاهتمام لم تعُد حِكراً على الجيش العراقي، ومتى يشنّ هجومَه الصاعق على دولة البغدادي في الموصل، ولا على الوضع المأسوي في ليبيا. الحوثي خطفَ الأنظار، وتحوَّلَ الوضع اليمني دفتر حساب مفتوحاً على رصيد مرسمل من إيران.

المسألة لم تعُد محصورةً بين مَن هو شرعي، ومَن هو غير شرعي، بل بالبرنامج النووي الإيراني، وهل توافق دوَل مجلس التعاون على مسوّدة الاتفاق التي يُصار إلى حياكتِها ما بين واشنطن وطهران، أم ستستمرّ في الرفض والممانعة؟ إنّ تظهير الأجوبة يأتي من خلال تظهير معالجات الملفّ اليمني سَلباً أم إيجاباً.

في زحمة هذه التحَدّيات لا ترى الكواليس الديبلوماسيّة أنّ الترَف الذي يعيشه أهل السياسة في لبنان يُبرّر كلّ هذا الصخَب حول «حكومة المصلحة الوطنيّة»، وآليّة عملِها، والإستسهال في تعطيل جلسات مجلس الوزراء. إنّ كلمة السِرّ قد وصلَت: «إلى مجلس الوزراء دُر».

التعطيل ممنوع. إسقاط الحكومة ممنوع. وشَلّ عملِها أيضاً. لبنان يجب أن يبقى ممسوكاً حتى لا يسقط، قد لا تكون وضعيته أولوية تتصدّر الأجندة الأميركيّة واهتماماتها بمفاصل المنطقة، وملفّاتها المتداخلة المعقّدة، ولكنّ الإستغناء عنه غير وارد… أقلّه في المدى المنظور.