IMLebanon

الحال الحميريّة

 

 

يشبه حالنا المنهار في لبنان وسط دوامة انتظار تحلّ مشاكل العالم بأكمله ولكن، حالنا في هذا الانتظار حال كلّ الحكايات التي كان أبطالها الحمير أو أصحابهم، وأكثر ما يشبه حالنا حكاية “حمار الرّجل” التي ذهبت مثلاً، يُحكى أنّ رجلاً مسافراً ومعه حماره مرّا بأرض قاحلة جرداء وكان مع الرجل زادَه أمّا علف الحيـوان فقـد تعـذّر الحصول عليه.. فرأى الرّجل كوخاً فاتّجه إليه فوجد رجلاً مسنّاً فيه، وكان الحمار قد أشرف على الهلاك من شـدّة الجوع، فقال الرّجل للشيخ: يا عمّ أنا لا أريد منك شيئاً سوى القليـل من العلف لأنّ الحمار سيموت جائعاً؟ فقال العجوز: يا عمّ هذا الذي طلبته بسيط، إصبر قليلاً وسوف يأتي الربيع وهذه الأرض كلّها تصبح خضراء وحمارك به الخيـر ودعه يرعى!!

 

فقال الرجل: يا عمّ.. نحن أين وفصل الربيع أين؟! أنا أقول لك الحمار سوف يموت من الجـوع!! فقال الشيخ: يا رجل، هي كلها كم شهر وأين هي المشكلة؟؟ فقال الرّجـل يخاطب حماره هل سمعت يا حمار؟؟ هي كلّها كم شهر يا حمار.. موت يا حمار لما يجيك الربيع!

 

في هذه الحكاية المزعومة الشعب اللبناني بمعظمه تحت خطّ الفقر وقد وصل كثير منه إلى مرحلة الجوع، ومع هذا هناك من يعدنا بانتظار الإصلاحات وقروض البنية التحتيّة، فيما الأغلب الأعمّ “لابدين” هذه الأيام تحت عنوان “الحياد” مع أنّهم يعرفون أنّ دور لبنان سيأتي بعد غزّة، وأنّ الحرب الدائرة هناك ليس مستبعدا أن تنشب في الثوب اللبناني، وهم مشغولون بمعزوفة الحياد التي تذكرني بمعزوفة “تدويل الأزمة اللبنانيّة” مع بداية الحرب الأهليّة عام 1975!!

 

بالتأكيد أيضاً يوجد بين السياسيين اللبنانيّين من يشبه حاله حال الحكاية المزعومة بين جحا وحماره والملك، إذ يُحكى أنّ ملكاً أحبّ حماره وأعجب به إلى درجة الإعلان عن رغبة الملك في تعليم حماره الأصول الملكية وأعلن القصر أنّ من يعلم الحمار له ما يشاء من المال، تقدّم كثيرون للمهمّة، وقتل الملك كلّ معلم فشل في المهمّة، سمع جحا بحكاية الملك وحماره، فقصد القصر وأمام الملك أعلن أنّه سيعلّم الحمار، واشترط على الملك أن يعطيه قصراً يعيش فيه ويعطيه ما يريد من المال وأن يمهله عشر سنوات ليعلّم الحمار، وافق الملك بشرط أن يقطع رقبة جحا في حال فشله في مهمّته… طار جحا إلى زوجته وأخبرها بالحكاية وأنّهم سينتقلون من الكوخ الفقير إلى القصر ومن الفقر إلى الغنى، فقالت له زوجته ولكن بعد انتهاء المدّة ماذا ستفعل أنت، سيقطع الملك رقبتك لأنّك لن تستطيع تعليم الحمار؟ فقال جحا لامرأته بعد عشر سنوات سأكون أنا قد متّ أو مات الحمار أو مات الملك”! والمؤسف أنّ الحقيقة الفجّة الصريحة هي أنّ خلاص لبنان من الحال الذي يغرق فيه صعب جدّاً، صعبٌ ويحتاج إلى تدخّل المشيئة الإلهيّة لإنقاذه وإنقاذنا من هذا المشهد السياسي المهزلة!

 

والسؤال بات ملحّاً جداً، إلى متى ستبقى الحال الحميريّة تفرض نفسها على اللبنانيّين باعتبارها الحال القمّة في الفهم والحكمة والتحكّم!!