IMLebanon

خريطة تعاون الإستخبارات الأوروبية مع دمشق

خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، اتّضَح أنّ دوائر شؤون الأمن في الاتّحاد الأوروبي تبنَّت خططاً لتنفيذ بيئة أمن خاصّة بدوَله ومجمل الأمن القومي لأوروبا، لكي تكون أوروبا جاهزة خلال فترة ما بين خمس إلى عشر سنوات مقبلة، لمواجهة تداعيات الأزمة السورية عليها.

كشفَت مصادر مواكبة لاجتماعات مؤتمر دعم النازحين السوريين الذي عُقد أخيراً في لندن لـ»الجمهورية» أنّ الدول الأوروبية المانحة التي شاركت فيه ضغَطت في اتّجاه رسمِ خطط لاستيعاب النازحين السوريين داخل بلدانهم أو في دول الجوار، تمتدّ على فترة زمنية حدُّها الأدنى خمس سنوات وحدُّها الأعلى عشر سنوات.

وأوصَت بصرفِ أموال المانحين الأوروبيين لإقامة بنى تحتية تخدم اندماجَ النازحين السوريين بالدول المضيفة لهم لعقدٍ من الزمن. ولضمان تنفيذ هذه الخطط تَشدّدَ المانحون الأوروبّيون في موضوعين: الأوّل أن تُصرَف الأموال المخصّصة لإنشاء هذه البنى في الدول المضيفة، من خلال الجمعيات الأوروبية مباشرةً وليس عن طريق الحكومة اللبنانية.

والثاني دفعُ دولِ الجوار السوري المضيفة للنازحين السوريين، إلى إجراء تعديلات على «سلوكها المتّبع تجاه النازح السوري». بمعنى آخر، الضغط على حكومات هذه الدول لالتزام تطبيق «مواصفات معايير حقوق الإنسان» نفسها التي يتمتّع بها اللاجئ في دول أوروبا على النازح السوري في بلدانها.

وبحسب هذه المصادر فإنّ الدول الأوروبية الكبرى تتّجه لإنشاء سياسات جامعة لمواجهة أزمة تدفّق النازحين الى اوروبا، وهذا ما أظهرَته جلياً المحادثات في كواليس مؤتمر لندن الذي ذهبَ نحو اتّخاذ القرارات المشار إليها آنفاً.

والخلفية الأساسية التي تجعل الاوروبيّين يبدون إرادة جدّية وموحّدة لمواجهة أزمة النازحين السوريين هي اقتناعهم بوجود صلة وثيقة بين هذه الأزمة وبين تهديدات الجيل الجديد من الإرهاب الموجّه ضد بلدانهم.

ولكن في مقابل بروز مظاهر التوحّد الاوروبي في مواجهة تداعيات الأزمة السورية على اوروبا، فإنّ الدوَل الأوروبية الأكبر تنتهج سياسات غير منسَّقة وأحادية الجانب في خصوص تحديد شكل تحرّكها لكبحِ الإرهاب القادم الى القارّة البيضاء من سوريا.

وفي هذا المجال يكشف تقرير معلوماتي مصدرُه دولة غير أوروبية، أنّه خلال فترة الاشهر الثلاثة الاخيرة توافدَ الى سوريا بعيداً من الاضواء نوعان من الوفود الاستخباراتية الأوروبية: الاوّل قصَد وزارة الداخلية السورية… والثاني توجَّه لإنشاء علاقات استخباراتية ضد «داعش» مع الاجهزة الامنية السورية.

وتظهِر تفاصيل هذه الأنشطة أنّ العلاقات الاستخباراتية الاوروبية مع دمشق، غير موحّدة؛ او أقلّه يمكن القول إنّ هناك الآن محاور استخباراتية اوروبية، وكلّ منها يُخفي أجندةَ اتصالاته خلال حوارته مع النظام السوري عن الآخر، ولديه اهتمامات مختلفة حول القضايا التي يعطيها أولوية داخل ملف مكافحة الإرهاب القادم الى اوروبا من سوريا.

وتبدو حاليّاً خريطة الاتصال الاستخباراتي الاوروبي مع دمشق موزّعة وفق المحاور الآتية:

أوّلاً – محور المخابرات الإيطالية والسويدية؛ حيث زار سرّاً منذ أسابيع وفدٌ موحّد يمثّل جهازَي الاستخبارات في هاتين الدولتين دمشق. والعنوان الذي قصَده هذا الوفد ليس أجهزة الامن السورية، بل تحديداً وزارة الداخلية السورية. امّا الملف الابرز الذي طرحه الإيطاليون والسويديون في سوريا فهو الطلب من الداخلية السورية تزويدَ بلديهما السجلّات العدلية لجميع المواطنين السوريين الذين وصَلوا الى إيطاليا والسويد والنروج والدول الإسكندنافية منذ العام ٢٠١١.

وأوضَح أعضاء الوفد الاستخباراتي الموحّد السويدي والطلياني لمحادثيهم في وزارة الداخلية السورية أنّ عدد النازحين السوريين في الدول الإسكندنافية تجاوز الـ 300 ألف نسمة، وأنّهم يعانون من نقص في «الداتا» الخاصة بهم، إذ إنّ حكومات هذه الدول لا تملك دلائل مادّية تُثبت أنّ النازح السوري الذي يصل الى أراضيها هو فعلاً هاربٌ من الحرب أم أنّه جزء من الخلايا النائمة التي ترسلها «داعش»، أو لديه سوابق جرمية أو هو فعلاً سوري وليس من جنسية أخرى.

ثانياً – المحور الألماني، ومعلوم أنّ المخابرات الألمانية، على عكس كلّ نظيراتها الاوروبية، لم تقطع يوماً علاقاتها الاستخباراتية بالأجهزة الأمنية السورية، وتهتمّ بنسجِ علاقات تبادُل معلومات مع الأمن السوري حول موضوعين أساسيَين: الأوّل معلومات جارية يتواصل تحديثها عن خلايا الإرهاب القادمة الى سوريا أو المغادرة منها في اتّجاه اوروبا. والثاني هو كلّ تفصيل يتعلق بتجارة «داعش» في النفط، وكلّ معلومة ذات صلة بمناطق النفط التي تسيطر عليها «داعش».

المخابرات السويدية التي هي شريكة الإيطاليين في تجميع «داتا» كاملة بالتعاون مع وزارة الداخلية السورية عن سجلّات نفوس النازحين السوريين إلى الدول الإسكندنافية خصوصاً، تَجمعها أيضاً بالمخابرات الألمانية صِلة تعاون محدّدة داخل الميدان الاستخباراتي في سوريا، وهي تتركّز على معاونة الأخيرة في البحث عن معلومات تفصيلية عن نشاط «داعش» النفطي: سكك تجارتها، طبيعة المناطق النفطية التي تسيطر عليها.

لكنّ المخابرات السويدية تعمل استخباراتياً في سوريا وتجري اتصالاتها مع دمشق، ضمن دائرة اختصاص لا تتجاوزها. وعليه فإنّ نشاطها في سوريا يحرَص على مراعاة أمرَين:

أ- عدم تجاوز حصرية دور ألمانيا في مجال تجميع المعلومات عن أفراد الجماعات التكفيرية ورموزها وحركة خروجها ودخولها من سوريا وإليها.

ب – الاتصال بالحكومة السورية بنحو «شِبه مباشر» وليس مباشرة، أي أنّ ممثلي أجهزة استخباراتها يصِلون الى دمشق ضمن وفد دولة اوروبية اخرى لها دور محوري في مكافحة الارهاب المنطلق من سوريا، كإيطاليا الناشطة على خط متابعة ملف نفوس النازحين السوريين، وألمانيا المعنية بتجارة «داعش».

ثالثاً – من خارج أوروبا التي انفرَد كثير من دولها منذ بدء الأحداث السورية بالاتصال سرّاً بأجهزة الامن السورية بهدف مكافحة الارهاب، برزت أيضاً أخيراً كندا بصفتها الدولة الغربية الأولى غير الاوروبية التي دخلت استخباراتها نادي الدول التي تنسّق سرّاً مع الحكومة السورية لمكافحة تداعيات استغلال «داعش» توافدَ النازحين السوريين إلى أراضيها، لتدسّ بينهم خلايا نائمة تابعة لها وتنفّذ لاحقاً اعمالاً إرهابية في كندا.

يبقى من المهم الإشارة في هذا المجال إلى أنّ دمشق لم تستجب حتى الآن لأيّ من مطالب إيطاليا أو السويد، أو حتى كندا، في شأن تزويد هذه الدول سجلّات نفوس النازحين الذين وصَلوا إلى أراضيها أو إلى أيّ دولة غربية اخرى.

وحدها ألمانيا تتمّ معاملتها من خلال القرار السياسي للنظام السوري بأنّها دولة لها أفضلية في شأن التعاون معها في مكافحة الإرهاب. وسبب ذلك يتصل برغبة دمشق بمكافأة مخابراتها التي لم تقطع علاقاتها بنظيراتها السورية طوال الأزمة. أمّا باريس فهناك «فيتو» سوري على التعامل مع أجهزتها الامنية.

والشرط الذي تضعه دمشق لفتح باب تبادل المعلومات معها، حسبما تمّ إبلاغ ذلك لغير موفد استخباراتي فرنسي زار دمشق أخيراً، هو إنشاء سياق متزامن بين تحسّن العلاقات السياسية والعلاقات الأمنية.

وتمّ إبلاغ آخِر وفد فرنسي التقى مسؤولين كباراً في الاستخبارات السورية أنّ الحكومة السورية مستعدّة لتقديم معلومات لباريس عن إعداد الجهاديين من أصل فرنسي الموجودين في سوريا، ولكن بشرط أن يتمّ ذلك من خلال ممثل ديبلوماسي فرنسي يقيم في السفارة الفرنسية في دمشق، أو حتى في سفارة أجنبية تُمثّل مصالح فرنسا في سوريا.