IMLebanon

برسم الوسيط الفرنسي

 

 

 

لن أزيد شيئاً لو ندّدتُ بموقف وزير الخارجية عبدالله بو حبيب من تشكيل الهيئة الأممية لمتابعة قضية المفقودين والمخطوفين في الحرب السورية. لقد كفَّى ووفَّى كلّ ذي أخلاق وحسّ إنساني.

 

أما حكومة ميقاتي التي تتحضّر بوقاحةٍ إستثنائية للتطبيع مع غياب رئيس للجمهورية، فبرهنت بقرارها الامتناع عن التصويت في الجمعية العامة أنها صارت مقيتة على أكثر من صعيد… هذا ليس نأياً بالنفس يا دولة الرئيس، إنه إخلالٌ بواجب وطني والتحاقٌ مخزٍ بسياسات محور لم يعترف يوماً لا بقضية مخطوفين ولا بمفقودين، ويعتبرهم مجرّد أضرار جانبية في معركة التصدي لـ”المؤامرة الكونية” على المناهضين للإمبريالية.

 

ربَّ ضارة نافعة. فالموقف الرسمي اللبناني من آلية المخطوفين والذي ينفذ عملياً أوامر “الثنائي الشيعي” المتحكّم بقرارات الحكومة الميقاتية، يشكل اختباراً عملياً جديداً لنوعية القرارات التي ستصدر عن هذا الفريق إن وصل مرشحه الى رئاسة الجمهورية.

 

في هذا الإطار يجب أن يوضع التصويت اللبناني الأخير في الأمم المتحدة برسم قصر الإليزيه ومبعوثه جان إيف لودريان، إذ يبدو أن “الواقعية السياسية” التي دفعت إيمانويل ماكرون لخوض معركة ترشيح سليمان فرنجية تشبه تلك التي حَدَت بحكومتنا التعيسة الى تناسي المصوّر اللبناني سمير كساب ومئات اللبنانيين الواجب كشف مصيرهم إن قُيِّض للجنة الوليدة العمل بحرية في الأراضي السورية.

 

يمكن للمبعوث الفرنسي العائد بأفكار جديدة أو بإعادة تدوير للمبادرة الماكرونية أن يسأل فرنجية مباشرة عن رأيه بقرار الجمعية العامة ليتأكد من التصاقه بالنظام السوري. وسيكتشف لودريان حتماً أن الموضوع ليس سياسياً تكتيكياً، بل تعبيراً عن بنية ذهنية لمنظومة تعتبر حقوق الإنسان تفصيلاً مملاً ينتهك “الخصوصية”.

 

لا شكَّ في أنّ لودريان يعلم طبيعة الأطراف التي التقى ممثليها في لبنان. لكن ما تمارسه روسيا أو الولايات المتحدة أو الصين التي تقدّم دائماً المصلحة على المبادئ نرفض أن تمارسه فرنسا الرائدة في حقوق الإنسان، والتي تعرف أنّ مسار ضرب المؤسسات والاستحقاقات وقواعد النظام البرلماني في لبنان سيتجاوز فرض الثنائي الشيعي على المسيحيين رئيساً موالياً لمحور إيران، وسيعمّق الأزمة الوطنية والاقتصادية إن لم يهدّد أسس الكيان.

 

لا مفاجأة في امتناع حكومة المنظومة عن التصويت على قرارٍ تاريخي بتشكيل هيئة أممية للمفقودين. فهي بما تمثل ومَن تمثل جزء لا يتجزأ من عرقلة التحقيق في تفجير مرفأ بيروت وتكريس “الإفلات من العقاب”. والذي منعَ العدالة عن أهالي ضحايا جريمة العصر لن يغصّ بإدارة الظهر لقضية المفقودين بذريعة تغيّر الظروف الإقليمية التي توجب “الواقعية السياسية” وعدم إغضاب دمشق!

 

ربما وجب شكر بو حبيب على تصويته المعيب. ففِعلته تأكيدٌ صارخ على أنّ مشكلة لبنان أعمق من أن تُختصَر بجلسة انتخاب أو باسم رئيس.