IMLebanon

الإتفاق مع صندوق النقد يهتز… فهل يقع؟

 

مناورات أهل السلطة تؤجل تجرّع “الكأس المرة”

بعدما نقلت السلطة السياسية البلد بمن فيه إلى ضفة الفقر بـ»مراكب» الفساد والاحتيال، بدأت بحرق «جسور» الاصلاح التي تمثل الأمل الوحيد بالعودة إلى شاطئ الازدهار. ثلاث سنوات من تضييع الوقت، و»الروزنامة» ما زالت تطوي الأيام على مناكفات ظاهرها تحصين موقع لبنان، وتحسين موقعه في المفاوضات مع صندوق النقد، وباطنها محاولات للوصول إلى «عفّى الله عما مضى»، وامتصاص ما تبقى من ثروات.

 

موقفان مستجدان في السياسة يُلحقان الاتفاق مع صندوق النقد الدولي «في خبر كان».

 

– الاول، إشتراط رئيس المجلس النيابي نبيه بري إقرار القوانين المرتبطة بالاصلاحات للدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية. فالاتفاق شبه مستحيل على الاصلاحات المطلوبة في ظل هذا العهد تحديداً، وقد لا يصار إلى انتخاب رئيس، وعدم انتخاب رئيس جديد سيؤدي بدوره إلى عرقلة الاصلاحات.

 

– الثاني، موقف «حزب الله» من الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. حيث أعرب وفد «الحزب» بعد زيارته وليد جنبلاط نهاية الاسبوع المنصرم، أنه على الرغم من عدم وجود «إعتراض مبدئي» على توقيع الاتفاق، إلا أن «هناك حاجة إلى التمعّن في درس العديد من التفاصيل».

 

الخشية من تفريغ القوانين

 

إضافة هذه المعطيات إلى أخرى سابقة مثل رفض وزراء الثنائي التوقيع على استراتيجية الحكومة للنهوض بالقطاع المالي، واعتراض اللوبي المصرفي على الخطة نفسها، وعدم مصلحة المنظومة بمطالبات المحاسبة والشفافية… كل ذلك يجعل من التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي قريباً عملية شبه مستحيلة. فالقوانين الاصلاحية الاساسية المطلوبة لم تقر بعد، وهناك خشية من تفريغ القوانين من مضمونها الاصلاحي في حال إقرارها، وعدم وضع آلياتها التنفيذية كما يجب. وذلك على غرار ما جرى مع إقرار قوانين الهئيات الناظمة، وتحديداً في الكهرباء قبل مؤتمر باريس 2 في العام 2001، وقوانين مكافحة الفساد والشراكة بين القطاعين العام والخاص قبل بضع سنوات. وأخيراً، ما حصل مع إقرار قانون تعديل السرية المصرفية، حيث رأت أوساط حقوقية متابعة أنه «أعاد قرار رفع السرية إلى المدعي العام المالي، وحرم المحاسبة بمفعول رجعي».

 

المطلوب لم ينفذ بعد

 

نص الاتفاق على مستوى الموظفين مع صندوق النقد الدولي على وجوب تنفيذ مجموعة من الاجراءات المسبقة في الوقت المناسب (قبل أيلول)، لتسهيل الحصول على تمويل بقيمة 3 مليارات دولار لمدة 48 شهراً. باستثناء موافقة مجلس الوزارء على خطة التعافي، وإقرار قانون تعديل السرية المصرفية، فان أياً من هذه الشروط لم يتحقق بعد.

 

يجدر التذكير بأن الصندوق يطلب اقرار الموازنة وتعديل قانون السرية المصرفية واقرار قانون الكابيتال كونترول وتشريع كيفية اعادة هيكلة القطاع المصرفي. إلى ذلك يضاف تباعاً:

 

– إعادة هيكلة الدين العام الخارجي.

 

– وضع آليات لاستعادة قدرة البنوك على البقاء وقدرتها على العمل بكفاءة.

 

– تخصيص الموارد لدعم الانتعاش.

 

– إعادة صياغة المؤسسات المملوكة للدولة، وخاصة في قطاع الطاقة، لتقديم خدمات عالية الجودة دون استنزاف الموارد العامة.

 

– إقامة نظام نقدي وشفاف يتسم بالمصداقية والشفافية.

 

– إقرار موازنات تباعاً على شرط تحقيق عجز أولي يبلغ 4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، مدعوماً بتغيير في تقييم الواردات للأغراض الجمركية والضريبية التي يتم إجراؤها بسعر صرف موحد.

 

– تحسين المالية العامة وخفض الدين العام من خلال تدابير مدرّة للدخل، وإصلاح إداري لضمان توزيع أكثر عدالة وشفافية للعبء الضريبي.

 

– إعادة بناء مصرف لبنان احتياطياته من العملات الأجنبية والحفاظ على سعر صرف موحد يحدده السوق.

 

– الشروع في تقييم مدعوم خارجياً لكل بنك على حدة لأكبر 14 بنكاً من خلال توقيع الشروط المرجعية مع شركة دولية مرموقة.

 

– إستكمال التدقيق لغرض خاص على وضع الأصول الأجنبية لمصرف لبنان، للبدء في تحسين شفافية هذه المؤسسة الرئيسية.

 

– توحيد مصرف لبنان لأسعار الصرف لعمليات الحساب الجاري المصرح بها، وهو أمر بالغ الأهمية لتعزيز النشاط الاقتصادي، واستعادة المصداقية والجدوى الخارجية، وسيتم دعمه من خلال تطبيق ضوابط رسمية على رأس المال.

 

إقرار الشيء وفعل نقيضه؟

 

اللافت أن اقرار الخطة الاقتصادية على مستوى السلطة التنفيذية وقانون رفع السرية المصرفية على مستوى السلطة التشريعية أتيا بشكل منقوص. «فعدا عن عدم موافقة المكون الشيعي في الحكومة على الخطة الاقتصادية التي قضت بشطب الديون بما يعني تحميلها للمصارف، عاد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لنقض الخطة، والوعد من مجلس النواب بعد الانتخابات النيابية بانشاء صندوق تعاف اقتصادي»، كما يؤكد الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان.

 

هذا الواقع المضاف إلى عدم إنجاز الاصلاحات المرجوة، أو إنجازها بطريقة مجتزأة ومشوهة، «لن يؤديا إلى توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي»، برأي أبو سليمان. فـ»من الصعوبة بمكان التذاكي على «الصندوق»، الذي سبق له وحدد بدقة متناهية شروط الاتفاق المسبقة. وهذا لن يخسر لبنان 3 مليارات دولار الموعودة إنما سيفقده قدرة الولوج إلى الاسواق المالية، والصناديق العالمية للحصول على المزيد من القروض الميسرة والهبات، وجذب الاستثمارات الضرورية لنمو الاقتصاد». وعدا عن أن «كل يوم تأخير يكلف لبنان خسائر هائلة تقدر بين 20 و30 مليون دولار، تبدد مما تبقى من عملات توظيفات مصرفية الزامية في مصرف لبنان تمثل أموال المودعين»، يرى أبو سليمان أن «هذا الامر ينعكس بشكل خطير جداً على سعر الصرف الذي تجاوز في نهاية الاسبوع المنصرم عتبة 32 ألف ليرة. وذلك على الرغم من وجود المغتربين والسياح وانفاقهم مئات الملايين من الدولارات».

 

أما بخصوص القوانين المطلوبة فان الكباش الحقيقي هو في إقرار القوانين المالية، ولا سيما منها قانون إعادة هيكلة المصارف الذي يتطلب ضخ رساميل حقيقية جديدة أو الخروج من السوق»، يقول أبو سليمان. و»نظراً للترابط الكبير بين السياسيين و أصحاب المصارف فان هذه القوانين لن تقر بالسهولة المرجوة، وستشكل العائق الأكبر في القادم من الايام».

 

باستثناء إقرار البرلمان قانون تعديل السرية المصرفية وتوقيعه من قبل رئيس الجمهورية يوم الخميس في 11 آب، فان تعديل القانون، المصور كانجاز ما بعده انجاز، لم يأت ربما بحسب شروط صندوق النقد الدولي. فالاخير كان واضحاً بضرورة جعل القانون الجديد «يتماشى مع المعايير الدولية لمكافحة الفساد، وإزالة العوائق أمام إعادة هيكلة القطاع المصرفي، والإشراف عليه، وإدارة الضرائب، وكشف الجرائم المالية، والتحقيق فيها، واسترداد الأصول». وهذا ما لم يحدث بحسب رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية والمدير السابق في صندوق النقد الدولي د. منير راشد، «حيث تقوم دائرة الشؤون القانونية في الصندوق بمراجعة القانون المقر وتقييمه تمهيداً لاعطاء رأيها النهائي. ولكن بحسب ما يرشح من معلومات أولية شفهية، فان صندوق النقد غير راض عن بعض محتوى القانون. وهناك خلاف على ثلاث نقاط أساسية، وهي:

 

– الجهة النهائية المخولة برفع السرية المصرفية.

 

– الجرائم والمخالفات الخاضعة لرفع السرية.

 

– المفعول الرجعي للقانون.

 

وبحسب ما علم فان الدائرة القانونية سترسل كتاباً بهذا الخصوص مع فريق العمل المكلف متابعة الوضع في لبنان.

 

الصندوق قد لا يكون راغباً بالتوقيع مع لبنان

 

في الوقت الذي تشير فيه كل المعطيات إلى عدم وجود نية حقيقية للمنظومة الحاكمة بابرام الاتفاق مع «الصندوق»، يرى د. منير راشد أن «العكس قد يكون صحيحاً أيضاً. بمعنى أن الصندوق قد لا يكون يعتزم ابرام اتفاق مع لبنان ومساعدته مادياً لتخطي ازمته. فتطبيق الشروط غير المسبوقة التي وضعها الصندوق من أجل توقيع اتفاق معه يعد مستحيلاً في الوقت القصير المتاح». وبحسب راشد فان «شروط الاتفاق المبدئي مع الصندوق عبر البعثات عادة ما تكون مقتصرة جداً. وتنحصر بمطالب من قبيل رفع السرية المصرفية أو التدقيق مع المصارف، أو تحرير سعر الصرف. أما في لبنان فقد وضع الصندوق تحقيق نحو 12 مطلباً مسبقاً كبيراً، أو حتى أكثر. مع تيقنهم من أن الحكومة اللبنانية عاجزة عن تنفيذ هذه الشروط في الوقت المحدد. خصوصاً أن هناك مطالب صعبة مثل اعادة هيكلة الدين واقرار قوانين تصفية المصارف وتعديل القوانين المالية… وغيرها الكثير.

 

المشكلة أن «الحكومة اللبنانية لم تر في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي إلا شطب الودائع»، يضيف راشد. و»هذا لا يمكن تسميته إصلاحاً»، برأيه، فـ»هذه الخطة بمحتواها ستؤدي إلى تراجع الاقتصاد، والتسبب بركود اقتصادي ومفاقمة معدلات البطالة وإقفال المؤسسات».

 

«النقطة الاخيرة التي ستعرقل التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد، والتي لا تقل أهمية عن سابقاتها، تتمثل في أن «الصندوق» لا يوقع اتفاقاً مع حكومة تصريف أعمال»، من وجهة نظر راشد. و»قد يجيب الصندوق في هذه المرحلة على الاسئلة الفنية، إنما يوقف المشاورات الجدية. فهو يريد حكومة قادرة على التوقيع على الاتفاق وليس المخاطرة بالاتفاق مع حكومة مستقيلة قد تنقض خليفتها كل ما اتفقا عليه».