IMLebanon

سيّد.. «تحريف الحقائق»

 

على خط الحرب التي يشنّها محور الممانعة على شعوب المنطقة، وقف الأمين العام لـ»حزب الله« السيّد حسن نصرالله، في لقائه السنوي مع المبلّغين وقارئي العزاء، ليدُلّ جمهوره الى «العدو الجديد». اشار السيّد بإصبعه الى من يشكّل «خطراً وجودياً» على المنطقة، قائلاً، «هي السعودية.. هي من قتلنا عام 2006، وهي من تقتل شعوب المنطقة اليوم، واستخباراتها تدير تنظيمَي داعش والقاعدة في اليمن والمنطقة».

مرة جديدة، لم يُقِم السيّد وزناً لخطاباته وقناعاته السابقة. اذاً، لم تعد كونداليزا رايس هي المسؤولة عن دماء اللبنانيين عام 2006؟ لم تعد رايس هي مَن أمر ووجّه وخطط لهذا العدوان؟ جواب نهائي؟ ام ان السيّد سيُحمّل دولة زيمبابوي مستقبلاً مسؤولية دماء اللبنانيين إذا اختلف معها؟ خاطب نصرالله جمهوره وقال له بصريح العبارة إن السعودية هي التي قتلته في حرب تموز (!) لكنه لم يقل لـ»أشرف الناس» لماذا رحّب يومها بمليارات السعودية التي اعادت إعمار قرى ومدن جنوبية. لا بل أكثر من ذلك. فليُخبر جمهوره عن وفد «حزب الله« الذي زار السفارة السعودية عقب عدوان تموز ليشتكي تيار «المستقبل«، متّهماً اياه بـ»صرف المساعدات على غير المستحقين»! ماذا يُسمي السيّد مَن يرحّب بالاموال السعودية ويشتكي تيار «المستقبل« في السفارة، وهو على علم بأن السعودية هي التي قتلته في حرب تموز، كما يدّعي؟ 

السعودية هي التي تدير تنظيمَي «داعش« و«القاعدة« في المنطقة؟ جيّد. لكن بالعقل والمنطق، اذا كانت السعودية هي راعية «داعش« في اليمن، فلماذا يفجّر هذا التنظيم الإرهابي فندق القصر في عدن، حيث استهدف نائب الرئيس اليمني خالد بحاح واعضاء الحكومة الشرعية وعناصر من «التحالف»؟ اذا كانت السعودية راعية «داعش«، فلماذا ينحر هذا التنظيم الإرهابي 22 قبطياً مصرياً في ليبيا بعد ساعات على اقتراح قدّمه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإرسال قوات عربية مشتركة الى اليمن؟ اذا كانت السعودية راعية «داعش«، فلماذا يقاتل هذا التنظيم الإرهابي المعارضة المعتدلة في سوريا ويعدم المئات من ابناء العشائر المناهضين للاسد في الرقة ودير الزور؟ هل السعودية هي مَن أمرت المالكي بإطلاق سراح (فرار!) الآلاف من عناصر «القاعدة« من سجن ابو غريب للتوجّه الى سوريا بهدف شيطنة الثورة؟ هل السعودية هي مَن امرت بشار الاسد بإطلاق سراح الاسلاميين المتشدّدين من سجن صيدنايا لضرب الثورة؟ لماذا هذا «الداعش« لا يحارب إلا السعودية ولا يهاجم إلا مصالحها ومصالح العرب في المنطقة ولا يعبث إلا بأمنها وبأمن الخليج ومصر ومناطق نفوذها في سوريا والعراق؟ لماذا هذا «الداعش«، الذي يستأثر بكل الحشد والتجييش في إعلام «حزب الله«، لم يخض المعارك مع الحزب ومع محور الممانعة؟ او لماذا «حزب الله« ومحور الممانعة من جهتهما لم يخوضا المعارك مع «داعش« والارهاب؟ حتى ان روسيا، والتي استهدفت غاراتها الاولى في سوريا تجمعات مدنية ومواقع للجيش الحر في ريف حمص وحماه، أوحت بأن لا نية لديها لمحاربة تنظيم «داعش« الارهابي. وهي بذلك، تسير على خطى «حزب الله« وعموم محور الممانعة، الذين اعلنوا مراراً الحرب على «داعش« دون ان يقاتلوه، على الرغم من التماس بين مقاتلي الطرفين في اكثر من جبهة. وعندما قررت روسيا ان تدعم عملاً برياً بالتنسيق مع الايرانيين، توجّهت الى ريف حماه لتقاتل الجيش الحر والمعارضة المعتدلة، هناك حيث كانت مجزرة دبابات النظام. صحيح، لماذا على الممانعة ان تحارب «داعش« الذي لولاه لما بقي الاسد بالسلطة حتى اليوم؟ لماذا على الممانعة ان تحارب «داعش« الذي لا يمكن ان يشكّل بديلاً من بشار الاسد؟ فالروس وعموم المحور، يعلمون ان ضرب المعارضة المعتدلة وليس الارهاب، من شأنه ان يكرّس معادلة «الإلهيين» وحروبهم «المقدسة»: «إما الأسد وإما داعش»؟ 

ثمّة مغزى لتوقيت السيّد في اعقاب تصريحات حليفه الروسي واخرى لمنظومته الإعلامية حول «ضمان أمن اسرائيل». ليس الإعلان عن المباحثات الروسية- الاسرائيلية التي جرت في تل ابيب امس الاول للتنسيق حول الحرب السورية، أخطر ما قد يصدر عن هذا المحور. فإعلام «حزب الله« لم يخجل من الاعتراف بأن «الروس اعطوا الاسرائيليين ضمانات بأن ترسانتهم لن تستخدم الا في اطار الحرب على الارهاب، وهذا ما تم التفاهم عليه بين مساعد وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان ونظيره الروسي ميخائيل بوغدانوف خلال زيارة الاول لموسكو»! هكذا بالحرف. هنا، وبعد الاعتراف بالتنسيق الروسي- الاسرائيلي والروسي- الايراني، كان لا بدّ للسيّد من ان يستبدل عدوّاً بعدو، ليشرّع حروبه المذهبية وليوجّه «رجال الله» الى ارض الجهاد الجديدة! هكذا تحوّلت اسرائيل من «شرّ مطلق» الى «عدو يجب ألا نغفله»، وباتت السعودية تشكل «خطراً وجودياً» على المنطقة وشعوبها! هكذا استبدل السيّد مشروعية العداء لاسرائيل واميركا بمشروعية العداء للسعودية، بعد ان فشل في ربط حروب إيران المذهبية بالغائية الاساسية المزعومة لوجودهم السياسي والعسكري، والتي اعطتهم المشروعية والتعاطف الشعبي على مدى عقود.

خطابان لافتان في اسبوع واحد. الأول لبشار الأسد، حذّر فيه من «تدمير المنطقة بأكملها إن لم ينجح التحالف بين موسكو ودمشق وطهران ضد الارهاب». وهذا يعني في احسن الحالات ان الاسد ليس واثقا من انتصار محوره. والثاني للسيد نصرالله، اعلن فيه «اننا امام فرصة لتعزيز الانتصارات»، وهذا يعني ايضاً ان هذه الفرصة قد تضيع. عدم ثقة محور الممانعة بـ»النصر» يفرض تصويب سهامه باتجاه من وصفهم نصرالله بـ»»التنابل والكسالى والفاشلين»، الذين فرملوا زمن الانتصارات الايرانية !