IMLebanon

نصرالله ولعبة الحليف الروسي.. اللدود  

لعب الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله دوراً إعلامياً أساسياً في الحرب الدائرة منذ سنوات. وجّه، بمساندة منظومة إعلامية ضخمة ومنظّمة، الكثير من الرسائل الداخلية والإقليمية والعالمية. خاطب العرب بوصفه حامي الديار والطوائف والمذاهب والاديان والعرقيات والاثنيات من خطر الإرهاب، كما شرح للغرب باستفاضة خطورة سقوط الأسد على بلدانهم، حيث سيأتي التكفير ليأكل أكبادهم وقلوبهم.

للّعبة الإعلامية الإيرانية تاريخ طويل في محاولة التأثير على قرارات الشعوب الغربية وحكوماتها. في مطلع تسعينات القرن الماضي، دار نقاش داخل الادارة الاميركية بشقّيها الجمهوري والديموقراطي، حول «من يحمي المصالح الاميركية في الشرق الاوسط..السنّة ام الشيعة» ؟! عقب أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، دخلت ايران على خط النقاش عبر كتّاب عرب واجانب، وبعثت برسائل مفادها أن تنظيم القاعدة، الذي قتل مئات الاميركيين في 11 أيلول خرج من الدول العربية المتحالفة مع واشنطن ..»والاميركي من اشارة الايراني يفهم«.

الديمقراطيون المعروفون بالـ«dirty dealers» كان لهم رأي في النقاش. يقول أصحاب هذا التوجه، «إن تحالُف الولايات المتحدة مع الأنظمة لم يُقرّب الشارع السني منّا.. أما الشارع الشيعي فهو يقلّد مراجع دينية ويسير بأهوائها السياسية، فإذا تحالفنا مع «الرأس» نكسب الشارع حُكما«.

اليوم، يدخل «حزب الله« والايرانيون وماكينة إعلامية ضخمة على خط النقاش الروسي الداخلي حول آفاق المشاركة في الحرب السورية. استطلاعات الرأي الروسية لم تكن مشجعة، حتى ان تسريبات الصحافة الروسية والغربية حول اهداف التدخّل الروسي، أقلقت اقطاب الممانعة الشرق اوسطيين. هكذا خرجت المنظومة الإعلامية لـ»حزب الله«، لتسرّب كلاماً على لسان نصرالله في احد مجالسه السياسية، يقول فيه ما حرفيّته، «إن أيّ فشل لروسيا اليوم في سوريا سيعيد الدبّ الروسي إلى داخل جدار حدوده الجغرافية ولن يخرج بعدها خارج بلاده«.

لماذا يعتمد نصرالله مع حلفائه الروس الاسلوب الإعلامي نفسه الذي يعتمده مع خصومه واعدائه؟!

لم يكن سهلاً على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان يقرر الدخول الى سوريا، وهو يشاهد بأم العين غرق «حزب الله« والميليشيات العراقية والافغانية والباكستانية في وحولها. لم يكن سهلاً على القيصر ان يزجّ بالروس في حروب عابرة للقارات، بينما يعاني اقتصاد بلاده من اوضاع هشة وصلت الى حد إعلان بعض البنوك والشركات افلاسها. بوتين ليس غافلاً عن كل تلك المخاطر، إلا ان الضرورات الروسية، فرضت على «الدب» سلوك طريق محفوف بمغامرات «لا بد منها«.

مصادر دبلوماسية مقرّبة من السفارة الروسية في بيروت، أكدت لـ»المستقبل» ان «الروس، المسكونين بهواجس افغانستان وكوابيسها، درسوا بدقّة حدود «مغامرتهم» في سوريا، والتي تقتصر على خطوتين مكمّلتين لبعضهما البعض: الاولى تتمثّل بضرورة التواجد على الارض بعد ان تبيّن لهم ان الكلمة الفصل في قصر المهاجرين اصبحت للايرانيين، الذين يعملون على مشروعهم الخاص في سوريا. والثانية، تكمن باستثمار هذا التواجد العسكري لفرض تسوية على النظام، تحافظ فيها موسكو على مصالحها الاستراتيجية«.

وعن الطريق الذي سلكه الروس للتوصل الى قرار الدخول الى سوريا، تكشف المصادر عن خطة روسية عرضها وزير الخارجية سيرغي لافروف على نظيره الاميركي جون كيري، تهدف الى انشاء تحالف دولي يضم الى جانب موسكو وواشنطن كلاً من انقرة والرياض، مهمّته محاربة الارهاب اولاً قبل الانتقال الى فرض تسوية سياسية لحل الازمة. وبحسب المصادر، فإن الخطة الروسية لم تلق آذاناً صاغية لدى الاميركيين، وقررت موسكو على اثرها الدخول الى سوريا بعد إبلاغ واشنطن صراحة بالامر.

دخل الروس وعزّزوا مواقعهم في مناطق نفوذ النظام وانطلقوا بعملياتهم العسكرية (ضربات جوية). عمليات تصفها المصادر بـ»الضرورية» لاسترداد «بعض» المناطق التي خسرها النظام لتحسين شروط التفاوض تمهيدا لتسوية، تأمل موسكو ان تكون قريبة تحاشياً للغرق في حرب طويلة.

يعلم الروس ان استعادة كامل الاراضي السورية هي من سابع المستحيلات، وبأن الحفاظ على الاسد بالسلطة هو من ثامنها. حتى ان رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف قال في تصريحات تلفزيونية الاسبوع الماضي، «إن روسيا تدافع عن مصالحها القومية في سوريا، لا عن أشخاص بعينهم، وبقاء الأسد بالسلطة ليس مسألة مبدئية بالنسبة لنا». إذاً، هي مسألة مصالح قومية، كما قال ميدفيديف، والتي تسعى موسكو للدفاع عنها عبر منع اي جهة اقليمية من تزويد اوروبا بالغاز عبر سوريا وتركيا، ما قد يقضي على الاقتصاد الروسي الذي يقوم بجزء اساسي منه على تصدير الغاز الى القارة العجوز. وهذا، بحسب المصادر، ما تم التطرق إليه مؤخراً في القمم التي جمعت مسؤولين عرباً وروساً، حيث حصلت موسكو على ضمانات بهذا الشأن، وانتقل التفاوض الى ملفات لها علاقة بالمرحلة الانتقالية وبمحاربة الارهاب وبالنفوذ. 

بداية، حاول نصرالله تخويف الغرب من خطر «داعش« عليه إن لم يحافظ على حكم الاسد. واليوم، يعمل السيّد على تحذير روسيا من العودة الى داخل حدودها وعدم الخروج منها ثانية في حال لم تحسم المعركة في سوريا. لكن الروس لم يأتوا ليحسموا، بل دخلوا سوريا لفرض حل سياسي تحافظ موسكو من خلاله على مصالحها. حتى ان الغارات الروسية وحراك بوتين يصبّان في هذا الاتجاه. فالمقاتلات الروسية لم تقصف جيش الاسلام (زهران علوش) في ريف دمشق، كما انها لم تقرب من الجبهة الجنوبية. وهي في ذلك، تعمل على عدم استفزاز السعودية. مصالح روسيا (الدولة العظمى) تقوم على اسسٍ اقتصادية وسياسية. اما مصالح ايران (الدولة الاقليمية)، فهي قائمة على بعد ديني ومذهبي. ولأن الطرفين لا يتبعان اجندة ونظرة ومشروعاً واحداً، كان لا بدّ للسيّد من ان يلعب اليوم مع حليفه الروسي ما لعبه سابقاً مع الخصوم والاعداء!