IMLebanon

في نقاش السردية التي لا تناقش

 

 

كانت ردة الفعل الأولى لمؤيّدي «حزب الله»، كما للذين تنفّسوا الصعداء بعد تراجع لغة إعلان الحرب، في خطاب الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، موجهين سخطهم على من انتقدوا الخطاب أو ناقشوه: «ها هو انكفأ عن الدخول في الحرب فماذا تريدون بعد»؟

 

في النقاش مع الفئة الأولى، عقم مستدام، فما كتبه «السيد» قد كتب، تجاوزاً لمضمون ما كتب. أمّا الفئة الثانية التي تبنّت عبر بعض الإعلاميين والناشطين والنخب، تسفيه حق النقاش مع الخطاب، من زاوية، أنّ من يناقشون نصرالله، ويذكرونه بتاريخ الخطاب والعهود والتعبئة، ينطقون بكيدية وفق المثل اللبناني الشهير «عنزة لو طارت». وفي هذا افتئات كبير، على الحق الطبيعي بالمساءلة، كما فيه انتقاص من مضمون الخطاب، الذي وعد بالحرب المؤجلة، وفيه وهو الأخطر، مزج غير بريء، بين القدرة والحق لأي كائن عاقل، بأن يتبنى قناعة كرفض الحرب، من دون أن يعطل حقه البديهي، في استعادة المشهد بأبعاده الكاملة.

 

ولأنّ سردية «حزب الله»، التي بنيت على تسخير بلد بكامله، لصراع أعطاه «الحزب» نفسه، عنوان إزالة اسرائيل من الوجود، والصلاة في الأقصى، وتنفيذ مناورات العبور الى الجليل، مع كل ما ترتب عن هذا العنوان، من أكلاف وأثمان باهظة، ليس الأقل فيها، حماية تركيبة ظل سياسية، أوصلت لبنان إلى القعر الاقتصادي والسياسي والإنساني، فضلاً عن خراب عميم نتج عن عزله عن العالم، والمشاركة في ضرب مؤسساته المالية، وهو ما أنتج عزلة لا قدرة فيها على التعافي الاقتصادي، أو على استعادة الدور والموقع الذي كان مميزاً في يوم من الأيام… لأنّ هذه السردية تترجم على شكل مشروع دائم محدد الأهداف، باسم المقاومة، كان من حق رافضي الحرب، أن يضعوا كلام نصرالله تحت المجهر، باعتبارهم متضررين من المشروع ونتائجه، ومن الاستلاب الدائم لقرار الدولة لا بل لوجودها، والأوضح، من رهن الحاضر والمستقبل، بأولوية «المعركة مع العدو»، ليظهر بعد حرب غزة، أن هذه الأولوية، لا تطبق إلا لتطويع الداخل، في حين أنّ أربابها، يضعون لها الخطوط الحمر، التي توضع على قياس ما ترسمه طهران، من سياسات النفوذ، ومن الحوارات المستمرة في سلطنة عمان.

 

من حق رافضي الحرب، أن يضعوا كلام نصرالله أمام مرآة التاريخ القريب والبعيد، فهم وهم مجبرون، على ركوب حافلة استقال سائقها، تحت عنوان أنّ حكومته لا تملك قرار الحرب والسلم، أن يعترضوا بصوت عال، على السائق الذي يقودهم رغم إرادتهم إلى حيث لا يريدون. أما التناقض الفعلي، فيكمن في التصفيق الأعمى، للسائق الذي يقود بهم عنوة، إلى محطة خطرة لن ينفع القول فيها بعد حصول الكارثة «لم أكن أعلم».