عبارة الميثاقية، المشتقّة من الميثاق الوطني، تُشير إلى الاتّفاق غير المكتوب الذي عُقد عام 1943 بين الرئيس بشارة الخوري ورئيس الوزراء رياض الصُلح، لإدارة أُسس التعايُش بين مختلف الطوائف اللبنانية.
فكان المسيحيون يُشكّلون 51.2 بالمئة من عدد المواطنين اللبنانيين. والمسلمون كانوا يُشكّلون 48.8 بالمئة. ومثّل رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري المسيحيين، كَون الموارنة كانوا يُمثّلون مُنفردين 28.8 بالمئة من الشعب اللبناني، فيما باقي المذاهب المسيحية مُجتمعة كانت تُشكّل 22.4 بالمئة. كذلك مثّل الرئيس رياض الصُلح المسلمين، كون السُنّة كانوا يُمثلّون 22.4 بالمئة من الشعب اللبناني، فيما الشيعة كانوا يُمثلّون 19.6 بالمئة، وباقي المذاهب المسلمة مجتمعة كانت تُمثّل 6.8 بالمئة.
بالتالي، شهد عام 1943 ولادة الميثاق الوطني بين الرئيس بشارة الخوري عن المسيحيين، والرئيس رياض الصُلح عن المُسلمين مجتمعين، بمَن فيهم الشيعة.
والمرّة الأولى التي دوّن فيها الميثاق الوطني في بيان رسمي، كانت في البيان الوزاري تاريخ 7/10/1943 للحكومة الأولى بعد الاستقلال، التي شُكّلت في شهر تشرين الأول لعام 1943، من قِبَل رئيس الوزراء رياض الصُلح، وبرئاسة الرئيس بشارة الخوري. هذه الحكومة التي أعلنت استقلال لبنان في 22/11/1943، بعد اعتقال رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وعدد من الوزراء والنواب من قبل الفرنسيين، وتشكيل حكومة موقّتة في بشامون.
علمًا، أنّه وبعد الانتخابات الرئاسية والتي فاز بها بشارة الخوري رئيسًا للجمهورية، تمّ تشكيل أوّل حكومة لبنانية برئاسة الرئيس رياض الصُلح.
ما يُفيد، أنّ الميثاق الوطني والذي ولد عام 1943 عُقِد بين المسيحيين والمُسلمين، وليس بين المذاهب والملل على الإطلاق. وجاء نتيجة التوازنات الديموغرافية التي كانت سائدة حينها.
وقضى هذا الميثاق، بأن يتوّلى رئاسة الجمهورية مارونيٌّ، ورئاسة الحكومة سُنّيّ، ورئاسة المجلس النيابي شيعيّ. كذلك كانت تُشكّل الحكومات مُناصفةً ونسبيًّا بين الطوائف.
علمًا، أنّ المادة 95 من دستور 23/5/1926 كانت تنُصّ على تمثيل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وتشكيل الوزارة.
شهد لبنان من عام 1975 حتى العام 1990 حربًا أهلية، انتهت بوثيقة وفاق وطني وُقّعت في الطائف بتاريخ 22/10/1989. حيث قصد المشرّعون في الطائف تكريس الميثاقية حفاظًا على العيش المشترك. وكان التوافق على تكريس الميثاقية في تأليف المؤسسات الدستورية وتكوينها، وأيضًا في ممارستها.
وبالنسبة إلى تكريس الميثاقية في تكوين المؤسسات الدستورية، جاءت المادة 24 من الدستور لتتكلّم على تشكيل مجلس النواب. حيث نصّت على أنّه، وإلى أنْ يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، تُوزّع المقاعد النيابية وفقًا للقواعد الآتية:
بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين، نسبيًا بين طوائف كلّ من الفئتين، ونسبيًا بين المناطق. كذلك جاءت المادة 95 من الدستور لتتكلّم على تشكيل مجلس الوزراء حيث نصّت على حتميّة أن تتمثّل الطوائف في الحكومات بصورةٍ عادلة.
أمّا على سبيل الممارسة، أي ممارسة السلطات مهامها، فجاء نصّ المادة 65 من الدستور (الفقرة الخامسة) الذي أوجب أن يكون النِصاب لانعقاد أي جلسة حكومية، ثُلثي أعضاء الحكومة، كذلك فرض التصويت بِنِصاب الثُلثين على المواضيع الأساسية (عددها 14) حِفاظًا على الميثاقية والمُشاركة، وللحؤول دون استبعاد أي مكوِّن في قرارات مفصليّة ومهمّة.
والسؤال الأهمّ، ما الذي قصده المُشرّع الدستوري حين أورد نصّ الفقرة (ي) من مقدّمة الدستور، من أن لا شرعية لأي سُلطة تُناقض ميثاق العيش المُشترك؟
ما المقصود بهذا العنوان؟
وما الهدف من إثارته؟
سنحاول الإجابة عمّا تقدّم، في الجزء الثاني من هذا العرض.