IMLebanon

أزمة الصحف  

 

كان في ودّي أن أُجري حواراً إفتراضياً، في العالم الآخر بين الصحافيين المرحومين الاستاذ سعيد فريحة والياس بك الحويك الأوّل مؤسس دار الصياد والثاني مؤسس جريدة «السفير». والمناسبة توقف دار الصياد حديثاً كما توقفت جريدة «السفير» سابقاً بقرار من مالكها الحالي الزميل طلال سلمان.

 

وذهبتُ في الحوار الإفتراضي الى أنه أُجري عبر الهاتف بآلة التلفون المعروفة عندنا (تجاوزاً) بمطحنة القهوة. كونها كانت هي السائدة في أيام المرحومين اللذين لم يألفا ثورة التكنولوجيا التي (تجاوزاً) غزت عالم الخلود كما تغزو عالم الفناء الذي ما زلنا نعيش فيه الى أن يشاء ربك أمراً كان مفعولاً.

ولنترك هذه الإفتراضات ونعد الى واقعنا المؤلم جداً: إن تساقط المؤسسات الصحافية في لبنان يمرّ، من أسف، وكأنه أمرٌ طبيعي جداً… يومان أو ثلاثة (على الأكثر) من مقالات رثاء، ومن تعليقات الأسف وحتى الأسى. ثم الى النسيان.

على صعيد شخصي يؤلمني جداً أن تمضي الصحافة اللبنانية الى هذا المصير الذي بات محتوماً. إنه مصير بائس، كون هذا الوجه الأنقى، من أوجه لبنان الرائعة، أكلته التجاعيد والغضون، وأخذ يتجه في سرعة كبيرة الى الأفول.

ولم يعد يجدي القول: إننا لسنا بأفضل من غيرنا. وأنّ ما يصيبنا أصاب ويصيب الصحافة المكتوبة- المقروءة في العالم قاطبة. وهذا كلام صحيح جزئياً. ذلك أن العالم، عموماً، تغلّب على الأزمة: كثيرة هي الصحف التي بعدما توقفت عادت الى الصدور. وكثيرة هي الصحف التي «تأقلمت» مع زمن ثورة التكنولوجيا فتجاوزت أزمتها ووفّقت بين نسختيها: النسخة الورق والنسخة الإلكترون.

وثمة ما هو أهم وبالذات ما جاءتنا تفاصيله من فرنسا (وسواها) وهو «القلق الشديد» الذي عبّر عنه الرئيس ماكرون وأركان البلد على الصحف وعقد الإجتماعات الطارئة توصلاً الى إنقاذها، خصوصاً تلك التي هي على شفير هاوية التوقف.

نحن لا نأمل شيئاً من هذا. وفي مختلف الحالات ليؤذن لنا أن نقول الآتي (من دون أن نعمّم).

في لبنان أزمة الصحف؟ أجل. ولكن ليس في لبنان أزمة أصحاب صحف. ونحن لا نرجم في الغيب، خصوصاً وأننا في بلد صغير حيث الكل يعرف الكل!

صحيح أنّ أوضاع الصحيفة المتدهورة لا تنعكس بالضرورة على أوضاع أصحابها المزدهرة، فهذا حساب خاص وذاك حساب خاص آخر.

ولكن الإزدهار هنا هو نتيجة هناك.

وقد لا يكون نتيجة المبيع أو الإعلان أو … ولكنه بالضرورة ما كان ليكون لولا الصحيفة والصحافيون!

شخصياً أعرف صاحب مؤسسة تنتج صحيفة يومية وغير مجلة أسبوعية ومتخصصة وهو لا يفرّق بين حسابه الخاص وحساب صحيفته… وهو يعاني صعوبات منظورة جراء ذلك. فليقتد به الآخرون… عندئذ لا تتوقف الصحف.