IMLebanon

نداء الوطن: “شرقاً”… نحو الأنظمة الشمولية!

عون ينأى بنفسه “أميركياً” ودياب طلب سحب الاعتذار: “ما تدخّلوني بورطة”

 

 

ماذا بعد في زوايا هذه “العصفورية” المتحكّمة بمصير البلد؟ وكأنها لقطات من إبداعات “الكوميديا السوداء” يشاهدها العالم ويعايشها اللبنانيون يومياتٍ دارميةً تمتد فيها أفواج “الطوابير” من المصارف والصيارفة ومحطات الوقود وصولاً إلى أفران الخبز، والسلطة الحاكمة يتآكلها العجز وتكتفي بمعاينة المشهد من أبراج المراقبة دون أن تحرّك ساكناً في المعالجات الإصلاحية المطلوبة. هو “الموت السريري” على فراش الأزمة وحكومة 8 آذار غارقة في سكراته، بينما رعاتها منشغلون في إصدار “فرمانات كمّ الأفواه” وحظر السُّباب والشتائم تعبيراً عن حرقة الناس وأوجاعهم على مواقع التواصل وفي الساحات تحت طائل الاستدعاء والتوقيف، حتى استحقت هذه السلطة عن جدارة لقب سلطة “طهّر نيعك” مع تدرّجها على سلّم قمع الحريات من مطاردة المواطنين إلى ملاحقة الديبلوماسيين ومحاولة تدجين وسائل الإعلام لتأخذ البلد تباعاً “باتجاه الشرق” نحو تكريس حكم الأنظمة الشمولية واستنساخه في لبنان.

 

من تشكيل حكومة “ماريونيت” تُحرّكها أصابع محور 8 آذار واعتبارها حكومة “تكنوقراط”، مروراً بتخوين المعارضين وعقد حوار “جامع” حصراً لهذا المحور بوصفه حواراً “وطنياً” مع ما يعنيه ذلك من إقصاء للأطراف غير المشاركة فيه من الدائرة “الوطنية”، وصولاً إلى دفع الأجهزة الأمنية والعسكرية إلى فضّ التحركات الشعبية المناهضة للطبقة الحاكمة بوحشية على الأرض كما حصل ليلاً في جل الديب وأنطلياس والضبية، بالتوازي مع تسخير القضاء لإصدار قرارات “باسم الشعب” تمنع السفراء الغربيين من التصريح الإعلامي… كلها مؤشرات دالة على أنّ قرار “المواجهة” اتُّخذ على أعلى مستوى في قيادة 8 آذار، لتنتهي معه مرحلة مخاطبة الداخل والخارج “من وراء حجاب” تكنوقراطي وتبدأ مرحلة “تكشير الأنياب” وتظهير حكومة حسان دياب على حقيقتها “الممانعة” تمهيداً لوضعها في فوهة أسلحة المعركة الدائرة بين “حزب الله” والولايات المتحدة، وربما في الهروب أكثر إلى الأمام عبر احتمال اشتعال النيران على الجبهة الجنوبية انطلاقاً من “مشروع مشكل حدودي جديد” تجسّد خلال الساعات الأخيرة بقرار مصادقة حكومة بنيامين نتنياهو على التنقيب عن الغاز في المنطقة البحرية المتنازع عليها مع لبنان.

 

وعلى أساس كونه أتى بمثابة “ترجمة حكومية” لإعلان أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله باستخدام كل الوسائل اللبنانية المتاحة في مواجهة “قانون قيصر” الأميركي، تعاطت أوساط ديبلوماسية مع تغطية حكومة دياب لقرار القاضي محمد مازح بمنع استصراح السفيرة الأميركية دوروثي شيا في وسائل الإعلام، ومسارعة رئيس الحكومة شخصياً إلى سحب مسألة تقديم الاعتذار من شيا من التداول الإعلامي والسياسي. إذ وبحسب المعلومات المحيطة بهذه المسألة، أكدت الأوساط أنّ ما عبّرت عنه السفيرة الأميركية علناً لناحية تلقيها اتصال اعتذار نيابةً عن السلطات اللبنانية “هو اتصال حصل بالفعل عقب شيوع خبر صدور القرار القضائي”، لكن وبينما بادرت دوائر القصر الجمهوري إلى “النأي” بالرئاسة الأولى عن قرار مازح مؤكدةً للسفيرة شيا أن الرئيس ميشال عون غير معني به، سارع في المقابل رئيس الحكومة إلى الطلب من وزيرة الإعلام سحب نبأ الاعتذار إلى شيا منعاً لاستفزاز “حزب الله”، ونُقل عن دياب قوله في هذا المجال: “لا أريد التدخل في هذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد… “ما تدخلوني بهالورطة، والكلام عن الاعتذار يجب سحبه”، لتلاحظ هذه الأوساط بُعيد تبلغها بهذه الأجواء أنّ الحكومة اتخذت قرار المجاهرة بالتماهي مع توجهات “حزب الله”، سواءً عبر إطلالة وزيرة الاعلام منال عبد الصمد على شاشة تلفزيون “الجديد” مساء السبت لتعلن ما حرفيته: “تواصلت مع الرئيس دياب والزملاء في الحكومة وتبيّن أنّ أحداً لم يعتذر من السفيرة الأميركية والحكومة تحترم السلطة القضائية”، أو من خلال تعميم وزير الخارجية ناصيف حتي صباح الأحد خبر استدعائه السفيرة الأميركية لتذكيرها بالاتفاقيات والأعراف الديبلوماسية.

 

وإذ تتعزز التوقعات بأن سياسة “اللون الواحد” ستؤدي تباعاً إلى تعميق الشرخ الداخلي وترسيخ الانقسام العمودي أكثر في البلد، يتوقف المراقبون باهتمام كبير أمام المنحى المتصاعد الذي تتخذه بكركي على جبهة التصدي للنهج السلطوي السائد، خصوصاً وأنّ نبرة البطريرك الماروني بشارة الراعي بدأت تعلو أكثر فأكثر في مواجهة هذا النهج الهدّام للنظام اللبناني الديمقراطي، وقد أسف أمس لإصدار “حكم قضائي مستغرب يمنع شخصية ديبلوماسية تمثل دولة عظمى من حق التعبير عن الرأي ويمنع جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية من إجراء أي مقابلة معها أو أي حديث لمدة سنة”، واضعاً هذا القرار في خانة “تشويه صورة القضاء اللبناني ومخالفة الدستور ومناقضة المعاهدات الدولية والاتفاقيات الدبلوماسية”. ولم يتردد الراعي كذلك في وصف اللقاء الحواري الذي عقده رئيس الجمهورية بأنه “زاد الإنقسام السياسي الداخلي”، داعياً إلى “التعويض عن غياب الشراكة الوطنية والتنوع السياسي فيه، بالإعداد لمؤتمر وطنيٍ شامل بالتنسيق مع دول صديقة تمكن لبنان من مواجهة التحديات ومصالحة ذاته مع الأسرتين العربية والدولية قبل فوات الأوان”، بالتوازي مع إشارة رعوية بالغة الدلالة في أبعادها السياسية والرئاسية، تمثلت بتأكيد البطريرك على أنّ “فقدان الثقة” السائد في البلد بات ينسحب على “جميع القيّمين على شؤون الدولة”.