IMLebanon

لا ترياق من الرياض ولا من طهران

“الحزم” الجوي الخليجي في اليمن مهما عصف واشتد لن يحسم وحده الصراع الراهن على السلطة ولن يعيد الحوثيون الى قوقعتهم في صعدة ولن يردع علي عبد الله صالح عن مواصلة هوايته بالرقص على رؤوس الثعابين، ولن يوفر في المقابل الارضية المناسبة لبناء جبهة سياسية موازية متماسكة قادرة على فرض شروطها وخصوصاً في ظل عدم وجود رقعة جغرافية “نظيفة” يمكن الاتكاء عليها للانطلاق الى مناطق اخرى… لا بل منطق التصعيد والتصعيد المضاد لا يفتح أبواب الحوار ولا مسارات للتفاوض.

التدخل السعودي لن يلجم التدخل الايراني بل سيمده بالمبررات لتكثيف دعمه السياسي والمادي والتسليحي للحوثيين وحلفائهم، ولعل التراشق الكلامي بالاسلحة الثقيلة على اعلى المستويات بين الطرفين لا يدل على نيات تهدئة أو تعقل. وقد أثبتت تجربتا العراق وسوريا ان التدخل والتدخل المضاد الخارجيين عبر اذكاء العصبيات المذهبية والطائفية والقومية ليس من شأنه الا تأجيج صراع الهويات القاتلة والمدمرة. ولو أضيف الاقتتال الطائفي في اليمن الى القبلية المستشرية لتحول هذا البلد الى مزيج متفجر وقاتل. ويبدو ان اليمن بفعل كثافة التدخلات وشراستها سيحجز سريعاً مكانة متقدمة على رقعة الجنون الدموي الممتد من أفغانستان الى قلب الصحراء الكبرى والصومال.

المستفيد الابرز من صراع الهويات، كان ولا يزال الارهاب والتطرف. تنظيم “القاعدة” في عيد. و”داعش” يعد العدة لمنافسة “حاضنته” على “التوحش” في اليمن. ومثلما شكل ارهاب هذين التنظيمين الحجة لتبرير انتهاكات لا تقل عنفاً عن “الحشد الشعبي” في العراق و”الشبيحة” في سوريا، فقد نسمع قريبا عن ممارسات مشابهة لتنظيمات “شقيقة” في اليمن، الأمر الذي يجر البلد الى مزيد من العنف والفوضى والأفغنة او الصوملة.

أما الخاسر الأكبر، فهو في اليمن كما في سوريا والعراق وليبيا أو حيثما حل صراع الهويات: فكرة الدولة الوطنية الجامعة والحديثة.

يقولون إن هذا البلد الفقير لا يزال “يسبح في القرون الوسطى” لتبرير استعمارهم الجديد له. لكنه قول فيه افتراء كبير. صحيح ان القوى القبلية الغارقة في تقليديتها تمسك بزمام الامور فيه وإنها سيطرت على مجاله العام وحرمت شعبه أبسط حقوقه في الحياة الكريمة وزجت به في اتون صراعات عبثية ودفعت به نحو طلب الحماية من القبيلة أو الطائفة، مما شرّع أبواب التدخلات الخارجية. لكن للشعب اليمني تاريخاً طويلاً من العيش المشترك والادارة السلمية لخلافاته المحلية وبناء التوافقات والتسويات. وثمة غالبية من اليمنيين ناضلت وبذلت التضحيات من اجل التغيير، ولا تزال تتمسّك بفكرة الدولة الوطنية الحديثة. لكن هذا الترياق لن يأتي حتماً لا من الرياض ولا من طهران !