IMLebanon

«الإعلام الممانع».. يفبرك لـ «كشف الفبركة»!

«حزب الله« الذي احترف ممارسة الحرب النفسية على جمهور الآخرين، صار اليوم يشكو أثر تلك الحرب على جمهوره. بات يحذّر مناصريه من الإعلام «التكفيري» ومن «فلتان» مواقع التواصل الاجتماعي «غير المنضبطة». لكن مهلاً.. قد يكون محقاً في تلك التحذيرات، فصورة الحزب «المقاوم» تعيش حالياً أسوأ أيامها بعد انتشار صور وفيديوات «مضايا الجائعة». «أخلاقيات الحزب الملتزم نهج الدين المحمدي الاصيل«، كما يتغنى نصرالله دائماً، لا تقبل التشوية، لا في حرب ولا في معركة ولا حتى في قرية، كما حدث على مساحة سوريا وتكرّس في مضايا. مرحلة فرضت على الحزب الانتقال من خط الهجوم الشرس الى خط الدفاع الهش، عبر منظومة إعلامية لا عمل لديها هذه الأيام إلا الكشف عما تصفه بـ«التضليل الإعلامي» الهادف الى «تشويه صورة المقاومة«.

اختصرت حلقة «حديث الساعة» يوم الجمعة الماضي على قناة «المنار» معاناة حزب الله من صورته الآخذة بالانكسار امام الرأي العام العربي والاسلامي. ساعة وثلاث وأربعون دقيقة خلت من أي شيء إلّا من «البروباغاندا» القائمة على «المظلومية»، أو ما وصفه الصحافي بيار ابي صعب، أحد ضيوف الحلقة، بـ»محاولة أبلسة حزب الله». الدقائق الخمس والعشرون الاوائل من الحلقة خصّصها الإعلامي عماد مرمل للحديث عن إطلاق سراح ميشال سماحة، قبل أن ينتقل إلى فقرة «التضليل الإعلامي»، «الخبيث والشرير»، على حدّ وصفه. البداية كانت مع القيادي في التيار الوطني الحر المحامي وديع عقل، أو «الجغل»، كما وصفه أحد مغرّدي التيار البرتقالي على «تويتر». إلّا أن «شوبرة» عقل على مدار الوقت المخصّص للحديث عن ميشال سماحة، وصوته المرتفع على رغم عدم وجود اي خصم على الطاولة نفسها، طغت على «جغوليته». عقل «ما فيه يكون إلّا الى جانب القضاء»، وتمنى لو أن القضاء بتّ ملف سماحة ولم يكتفِ بإخلاء سبيله، كي لا تستفيد قوى 14 آذار من الملف كما حدث. ولدى سؤاله عن رأيه بموقف الرئيس سعد الحريري التصعيدي من حكم المحكمة، «ركبه الجن»، وكاد أن يقف عن كرسيه وهو يسأل:» سعد الحريري الذي استقبل خلال زيارته القصيرة الى لبنان الحجيري (رئيس بلدية عرسال) وأعطاه مليونَي دولار لـ»يزبّط الوضع»؟ أو الحريري يلي حاطط جنبه في بارس عقاب صقر الذي موّل ارهابيي سوريا الذين تهجّموا على الجيش اللبناني واللبنانيين»؟

لا شي يُفاجئ في ما أعلنه «عقل». ولا بأس ان «التيار الوطني الحر« الذي عانى طوال سنوات الوصاية السورية من المحاكم العسكرية وبطشها، بات يرفض المساس بها. فحين يصبح هذا القضاء بيد حليفه «الإلهي«، ويُخرج العميل فايز كرم من السجن مرفوعاً على الأكتاف، ويراعي خصوصيات محورٍ بأكمله، يصبح قرار إخلاء سماحة صائباً ويستأهل التنويه والاشادة. وربما لا أحد ينسى كلام الجنرال عون رداً على سؤال عن رأيه باستهداف طائرة الشهيد سامر حنا، والذي أطلقت المحكمة العسكرية سراح قاتله بعد شهور قليلة، اذ قال يومها:»هو شو اخدو على الجنوب»؟ فعلاً، لماذا حلّقت مروحيته فوق أرض لبنانية؟ 

انتهى المحور الأول والقصير من الحلقة، ليفتح مرمل ملف «التضليل الإعلامي» على مصراعيه. ضيفا الفقرة هما من خط سياسي واحد. فالحديث عن التضليل الإعلامي بشكل عام، وتلقين جمهور حزب الله ألاعيب «التكفيريين ومن يقف خلفهم» لتشويه صورة «المقاومة» في مضايا بشكل خاص، لا يحتمل وجود طرف ثالث قد يفسد «الطبخة». نقاش الرأي الواحد أخذ منحى خطورة مواقع التواصل الاجتماعي على التحريض المذهبي وعلى فبركات من شأنها ان تضرب صورة المقاومة. ينطلق الصحافي «بيار ابو صعب» في حديث عن الفبركات والتضليل من «الأبلسة». يقول ان «الأبلسة تشبه محاولة توريط حزب الله من مضايا الى ملف سماحة، وتشبه محاولة الحصار المالي على الحزب». لكن الأبلسة هذه، لن تمنعه من الإعتراف بأن «حصار مضايا حصل لأسباب استراتيجية«. لكنه استدرك قائلاً «ان الناس عرفت ان ما قيل عن مضايا «مش مزبوط».. وعرفت بعد 4 او 5 ايام ان هناك من يحتكر الطعام في مضايا وان المسلحين يأخذون الناس رهينة». ويتابع، لكن« Too late.. لأن كان الاذى صار»! الكلام عن «حصار لاسباب استراتيجية» يتيح التخمين انه يعترف ويُشرّع حصار «الممانعة» للبلدة. ومن ثم يتهم المسلحين بتجويع الناس. اذا كان حزب الله او النظام او اي ميليشيا ممانعة تحاصر مضايا، فهذا في منطق الحروب يعني في احسن الحالات ان الطرف المُحاصِر هو المسؤول عن التجويع. وكيف لـ»ابي صعب»، الذي تحدّث عن المهنية الإعلامية وضرورة التأكد من الصور والأخبار قبل نشرها، ان يؤكد وجود مسلّحين داخل مضايا، علماً ان قناة «المنار» اجرت المقابلات مع الأهالي ولم تبث اي صورة لأي مسلح؟

اما الإعلامي المتخصّص في وسائل التواصل الإجتماعي أمين أبو يحيى، فقد شيطن في مطلع حديثه مواقع التواصل، رغم انه احد مستخدميها. يقول ابو يحيى «ان أكثر من استفاد من هذه المواقع وأجاد استخدامها هم داعش والارهابيون». يقاطعه مرمل ضاحكاً، «صحيح، عرفوا يستخدموا التكنولوجيا رغم افكارهم المتخلّفة». قد يكون ابو يحيى على حق، فتنظيم داعش الإرهابي اجاد استخدام هذه المواقع بهدف تجنيد المغرّر والتواصل مع الخلايا المنشرة بين الدول. لكن حديثه صنع صورة ذهنية من شأنها صبغ مواقع التواصل بصبغة الإرهاب. ابو يحيى قفز فوق اهم انجازات هذه المواقع: فكيف كان للشعب السوري، على سبيل المثال، ان ينقل حقيقة ما يجري في بلده من حروب ابادة مذهبية وقصف طال الاطفال قبل المعارضين وقبل الجماعات الارهابية، لولا تلك المواقع؟ فات ابو يحيى ان معظم الوكالات ووسائل الإعلام تستقي أخبارها وصورها من مواقع التواصل الاجتماعي، والفيديوات من موقع «يوتيوب»، لأن النظام لم يسمح منذ اليوم الاول لهذه الثورة لأي وسيلة معارضة لحكمه ان تنقل ما يجري على الارض. ثم ان الحديث عن تفوق داعش تكنولوجيا، في اطار الكلام عن التضليل والفبركات، يوحي للرأي العام «المقاوم» ان صور وفيديوات المجاعة في مضايا المحاصرة او سواها من القرى هي من صنيعة الارهابيين. والحقيقة هي ان ناشطين سرّبوا الصور والفيديوات لقنوات عربية واجنبية، وتناقلها الناشطون على مواقع التواصل. حتى ان ابو يحيى الذي لم يأل جهداً في الحديث عن «المهنية الصحفية»، اختار صورة من الصور التي نشرت على انها في مضايا، وقال لمرمل: «مثلا هذه الصورة قديمة.. من الـ2015 واستخدموها من اسبوعين»! هنا يقاطعه مرمل قائلاً: «هذه الصورة من الغوطة»! وكأن الغوطة تقع في الشمال الشرقي من زيمبابوي. وكأن الغوطة ليست محاصرة منذ سنوات من ميليشيات الممانعة. 

أخفقت الحلقة ومعدّها ومقدّمها وضيوفها بإقناع جزء كبير من الجمهور بـ» الفبركة والتضليل». انطلقت الحلقة من ثابتة وحيدة وهي ان الفبركة قد حصلت، ولم تسأل إن كانت قد حصلت بالفعل ام لا. كيف يمكن لمعد ومقدم وضيوف ان يُخرجوا صورتين من أصل عشرات الصور والفيديوات، ليتحدّثوا عن تضليل بهدف «ضرب صورة المقاومة»؟ يعتبر هذا في احسن الحالات خطأ وليس فبركة. خطأ وقعت فيه سابقاً عشرات وكالات الأنباء والقنوات وبينها الميادين والمنار وغيرهما.

ليست صور وفيديوات مضايا هامشية. ستدفعها حدة الانقسام المذهبي بعيداً عن السطح، لكنها ستتسرب الى عمق اللاوعي الجماهيري. مع كل اطلالة لفريق الامم المتحدة ومع كل تقرير اممي يتحدث عن مجاعة مضايا، يتهشم شيء من صورة «اتباع الدين المحمدي الاصيل». تنكسر صورة واسطورة. ينكسر تفاضل اخلاقي بنى عليه الحزب قيمته السياسية. حزب الله «يشيطن» الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي؟ صحيح، لأن زمن تحكّمه بالصورة وأبعادها وبناء معاركه وانتصاراته الالهية الوهمية قد ولى.