IMLebanon

التدقيق في المناقصات…”عبّي بالكيس”

 

كلمة السرّ في المنشآت عند سركيس

“إدارة” منشآت النفط في طرابلس والزهراني كناية عن: غشّ في فحوصات المحروقات، تزوير في العقود… و”زعبرة” في المناقصات، وهي حقّ سياديّ تزخر به الدولة، بحيث تفوز شركات وهمية بصفقات إن صحّ التعبير باسم”دُويلة المنشآت”، التي يسرح القيّمون عليها ويمرحون من دون أن يتجرّأ أحد على ملاحقتهم أو حتى مساءلتهم.

 

فشلت “Pontus Petroleum” الحائزة في 30 آذار الماضي على مناقصة استيراد 180 ألف طن متري من مادة الديزل أويل لصالح منشآت النفط، بتأمين الكميّة المطلوبة. حجّة الشركة الواهية كما شركة “Green Energy”(لمناقصة البنزين الاخيرة) حملت عنوان التذرّع باستحالة فتح الاعتمادات اللازمة بالدولار من قبل مصرف لبنان. كان ذلك قبل أن تستمرّ “Pontus Petroleum” باستغلال سياسية الـ”تطنيش” التي تنتهجها إدارة المنشآت وبغطاء وزاري غير منقطع، وهو ما لا يمكن تبريره على وجه الأخصّ مع شركات منعدمة الخبرة في مجال استيراد المواد النفطية كهذه.

 

فبحسب سجّل الشركة التجاري، لـ”بونتس بتروليوم ش.م.ل” التي أُسّست في العام 2018، برأس مال 30 مليون ليرة، یكون موضوع الشركة القیام بصورة مباشرة او غیر مباشرة لحسابھا او لحساب الغیر في لبنان وفي الخارج، بجمیع اعمال التجارة العامة والخدمات وعلى الاخص الاستیراد والتصدیر والمقاولات والتعھدات على انواعھا، وتجارة مواد وألبسة وأجھزة الصیانة والوقایة والسلامة للاشخاص والمنشآت والبواخر والتدریب الفني والتقني على انواعه، واستیراد المواد الاولیة للمنشآت الصناعیة والنفطیة والاستشارات الفنیة والاشتراك بالمناقصات العامة والخاصة، والتمثیل التجاري والاشتراك مع شركات تتعاطى اعمالاً مماثلة وتملك و/او الانتفاع من حقوق عائدة لوكالات عادیة او حصریة، للمواد والبضائع الوطنیة والاجنبیة وتمثیل شركات وطنیة او اجنبیة في اسواق خارجیة.

 

باختصار، تتعاطى الشركة “كوكتيلاً” من الاعمال من ضمنها استيراد الالبسة و…”استيراد المواد النفطية”، وهو ما كان ينبئ، منذ البداية بأرجحيّة إخفاقها في صفقة كهذه.

 

هذه الخيبة قابلها اجراء مناقصة ثانية لكن من دون أي محاسبة قانونية للشركة “المكسورة” التي أخلّت بالتزاماتها تجاه الدولة. ولولا انخفاض الاستهلاك المحلي من المحروقات بسبب حظر التجول وحالة التعبئة العامة ما أدى الى فائض من شحنات الاستيراد، واستمرار شركة “ZR Energy” بتسليم الكمية المتبقية وفقاً للعقد الذي بينها وبين المنشآت لتأمين حاجات السوق من المحروقات، وقيام “Liquigas Liban” (الفائزة بمناقصة الديزل أويل الثانية) بتسليم شحنة spotcargo (شحنة جاهزة للتفريغ) الاسبوع الماضي، لكانت السوق عانت من شحّ في المازوت.

 

في هذا السياق تشدّد أوساط متبعة لـ”نداء الوطن” على أنه لا يوجد قانون يسمح بشراء المحروقات بهذه الطريقة، علماً ان الشحنة التي تم تأمينها عبر شحنة spotcargo أتت ارخص بأكثر من دولار للطن الواحد (مقارنة مع السعر الذي لُزّمت الشركة عينها على أساسه في المناقصة الاخيرة)، وهو ما يشكل دليلاً على “تخبيصات” إدارة المنشآت ويرجّح تواطئها مع عدة أطراف كانت تؤمن لها شحنات spotcargo كلما سنحت الفرصة بذلك.

 

بالنظر الى دفاتر الشروط، يتّضح اللغط في ترجمة بعض الفقرات ما بين اللغة العربية واللغة الإنكليزية علماً انه تم الاشتراط على العارض، وفي حال أي نزاع، أن يتم اللجوء الى المحاكم اللبنانية، في حين يُنقل هذا النزاع الى المحاكم الدولية في حال كان للشركات مكاتب في الخارج، وهو ما حصل في عقود سابقة بين الدولة اللبنانية وشركات اجنبية.

 

هذا وتستخدم بنود دفتر الشروط كافة عبارة وزارة الطاقة والمياه – منشآت النفط في طرابلس والزهراني، من دون أي ذكر للمديرية العامة للنفط خلافاً للمرسوم الاشتراعي79/77، وهنا لا بدّ من استغراب هذا الاصرار الممنهج لحذف جزء من النصوص العقدية للمؤسسات العامة، خصوصاً وأنه كلما أثيرت قضية مرتبطة بالمنشآت تُستدعى المديرة العامة للنفط من دون استدعاء ممثلين عن المنشآت.

 

كثرة المختبرات… ككثرة الطباخين

 

أثارت “نداء الوطن” منذ نحو أسبوعين فضيحة شركة “Green Energy” من دون أن يكلّف الوزير الوصي ريمون غجر نفسه، باتخاذ أي إجراء أقلّه لاسترضاء الرأي العام ولو “اصطناعياً”، ومن دون أن تتحرّك النيابة العامة المالية لاستيضاح ما يجري في الكواليس.

 

لكن، وحتى فترة قريبة، كانت منشآت النفط في طرابلس والزهراني ذاك الحصن المنيع من أي محاسبة أو ملاحقة. الا أنّ هذه الهالة التي أحاطت المنشآت على مدى أعوام طويلة بدأت تتهاوى، تحديداً بعدما أوقفت النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون حوالى 17 موظفاً من مختبرات المنشآت من بيروت وطرابلس والزهراني، على خلفيّة التلاعب في الفيول المستورد ورشاوى تطاول القسم الاكبر من كبار الموظفين. وبالحديث عن قضيّة الفيول المغشوش، تجدر الاشارة الى أن هناك مختبراً في منشآت طرابلس وآخر في منشآت الزهراني الى جانب مختبر مركزي في بيروت، فلماذا كل هذه المختبرات؟ ومن يراقب عملها؟

 

رغم إيجابيّة هذه الخطوة القضائية الا أن مصادر متابعة ترجّح عدم وصول هذا الملف الى خواتيم واضحة، نظراً للاستنسابية التي شهدتها الاستدعاءات التي استثنت، حتى اللحظة، رئيس لجنة ادارة المنشآت والآمر الناهي بكلّ شاردة وواردة سركيس حليس.

 

لكن وفي حال إثبات جرم الغش في شحنات الفيول خصوصاً وأن التحقيق مع الموظفين الـ17 أسفر عن اعترافات بارتكابات من شأنها أن تطيح بلاعبين كُثُر، فذلك يعني وضع علامات استفهام على غالبية شحنات المواد النفطية التي تدخل الى لبنان أكانت للمنشآت أو للسوق المحلية.