IMLebanon

عن ردّ الدكتور محمد مغربي في «نقاش القسطنطينية»

 

 

أورد الدكتور محمد مغربي في الرد الذي أرسله الى «اللواء» (الثلاثاء) بعنوان «تصحيح النقاش الجديد حول فتح القسطنطينية»، ما سمّاه «أخطاء تاريخية» إنطوت عليها زاوية صباح السبت 27 تشرين الأول والتي تناولت نقاش القسطنطينية الذي دار بين وزير الخارجية جبران باسيل ووزير الإعلام ملحم الرياشي في لقائهما الأربعاء 17 منه.

يهمّني، تصويبا للنقاش، توضيح الآتي:

1- ورد في زاوية السبت ما حرفيته «شكَّل سقوط القسطنطينية، أعظم رموز الإمبراطورية البيزنطية وأكثرها شهرة وألقاً، ضربة موجعة على حد سواء للمسيحية الشرقية (الروميّة) وللبابوية الكاثوليكية»، وفي ذلك إشارة واضحة الى الموقع التي كانت عليه القسطنطينية طوال تاريخها وليس فقط إبان سقوطها، خلافا لما صوّره الدكتور مغربي. كانت مركز المسيحية الشرقية ومركزا حضاريا عالميا، و«أعظم مدن العالم في ذلك العصر»، منذ أن نقل الإمبراطور قسطنطين العاصمة البزنطية من روما إلى القسطنطينية عام 330.

2- لم يكن موضوع الزاوية بحثا تاريخيا بل هو إسقاط إستعان به الوزيران باسيل والرياشي لبحث أحوال المسيحيين في الشرق. وتاليا، لا مجال للتوسع في الحديث عن أن سقوط القسطنطينية كان خاتمة المحاولات الإسلامية لضم هذه المدينة لحظيرة الخلافة، والتي بدأت مُنذ أوائل العهد الأُمويّ خلال خلافة مُعاوية بن أبي سُفيان واستمرَّت خلال العهد العباسي، وإنتهت على يد السلطان العثماني محمد الثاني بن مراد عام 1453. والأمر عينه ينسحب على وجود عثمانيين في الأناضول والبلقان.

3- الإمبراطور الذي قال الدكتور مغربي انه لم يُعرَف مصيره بعد سقوط القسطنطينية هو قسطنطين الحادي عشر پالايولوگوس، قُتل في المعركة بعدما «نزع رداءه الملكي الإرجواني وهجم وجنوده هجمة على الجيوش العثمانية»، ليتحوّل شخصية أسطورية في الفولكلور اليوناني بإسم «الإمبراطور الرخامي» الذي «سيستيقظ ويستعيد الإمبراطورية والقسطنطينية من الأتراك».

4- في الخطاب الرسمي أن العثمانيين سمحوا للمسيحيين (بين 17 و27% من مجمل عدد السكان عام 1910) أن يمارسوا شعائرهم الدينية بحرية تحت حماية الدولة، وفقًا لما تنص عليه الشريعة الإسلامية، واعتبروا أهل الكتاب من غير المسلمين رعايا عثمانيين لكن دون أن يُطبق عليهم قانون الدولة، أي أحكام الشريعة الإسلامية. وفرضوا الجزية على الرعايا من غير المسلمين مقابل إعفائهم من الخدمة في الجيش. لكن هذا الأمر لا يحجب ما سيق من تنكيل في حق الأقليات على مرّ التأريخ العثماني بغية «التخلّص من اليونانيين» لا الأرمن فقط، بحسب «التايمز» اللندنية التي كتبت: «قالت السلطات التركية صراحة بأن نيتها المتعمدة التخلص من جميع اليونانيين، ودعمت أعمالهم أقوالهم». وتحدثت صحيفة «بلفاست» عن «الحكاية المروعة من الوحشية والبربرية التي يمارسها الأتراك الآن كجزء من سياسة منهجية لإبادة الأقليات المسيحية في آسيا الصغرى». ولفتت صحيفة «كريستشان ساينس مونيتور» الى أن «الأتراك شعروا بالحاجة إلى قتل الأقليات المسيحية بسبب التفوق المسيحي من حيث الاجتهاد وبالتالي الشعور التركي بالغيرة والدونية (…) كانت النتيجة تولد مشاعر القلق والغيرة في نفوس الأتراك مما دفع بهم في السنوات اللاحقة إلى الشعور الاحباط، حيث يعتقدون انهم لا يستطيعون التنافس مع رعاياهم المسيحيين في فنون السلام وبأن المسيحيين واليونانيين خاصة مجتهدون ناجحون ومتعلمون مقارنة بمنافسيهم، لذلك من وقت لآخر يحاولون جاهدين تصحيح التوازن عن طريق الطرد والمذابح، كان هذا حال الأجيال السابقة في تركيا ولكن القوى العظمى قاسية وعديمة الحكمة ما يكفي لمحاولة تكريس سوء الحكم التركي تجاه المسيحيين».

5- كان الأرمن في الإمبراطورية يعتبرون مواطنين من الدرجة الثانية رغم بعض الحريات المحدودة التي أعطيت لهم كحق العبادة. أُطلق عليهم بالتركية Gavours أي الكفار أو عديمي الإيمان. ورُفضت شهادتهم خصوصا (الى جانب مختلف المسيحيين) في المحاكم وحرموا من حمل السلاح أو ركوب الخيل. ومُنعوا كذلك من أن تكون شرفاتهم مطلة على بيوت الأتراك المسلمين. وضُيّق على ممارساتهم الدينية إذ على سبيل المثال حُرمت الكنائس الأرمنية من قرع الأجراس، تحت طائلة عقوبة تتراوح بين الغرامة المالية والإعدام.

6- لا يخفى كذلك ما فعله العثمانيون بالمعالم الدينية المسيحية على مرّ أعوام حكمهم، من مثل كاتدرائية آيا صوفيا التي بناها الإمبراطور جوستنيان بين عامي 532 و537 وخدمت ككنيسة طوال 916 عاما، قبل أن يحوّلها محمد الفاتح مسجدا (ظلت كذلك 481 عاما)، ومن ثم متحفا دينيا عام 1935.

7- في عام 1910 ضمت تركيا الحالية سابع أكبر تجمع سكاني مسيحي أرثوذكسي في العالم، لكن انخفض العدد دراماتيكيا عقب المذابح ضد الأرمن والأقليات المسيحية، ومن ثم عملية التبادل السكاني لليونانيين الأرثوذوكس عام 1923، وضريبة الثروة التركية عام 1942، وبوغروم إسطنبول في أيلول 1955 وهي عبارة عن أعمال شغب ضد الأقلية اليونانية في إسطنبول دبّرتها مجموعة من الجيش التركي، في مقر فرع عملية غلاديو التركية وادت الى هجرة غالبية المسيحيين من إسطنبول. في هذا السياق، لا ضير من إنعاش الذاكرة بالإضاءة على اتفاقية التبادل السكاني بين اليونان وتركيا عام 1923 المرتكزة على أساس الهويّة الدينية، والتي قضت بنقل المسيحيين اليونانيين الذين يعيشون في تركيا إلى اليونان ونقل المسلمين الذي يعيشون في اليونان إلى تركيا. وتضّمن ما عُرف بالتبادل السكانيّ الإلزامي الأول الواسع النطاق في القرن العشرين، نقل نحو مليوني شخص، مليون ونصف مليون منهم من المسيحيين الذين كانوا يعيشون في تركيا، ونصف مليون مسلم كانوا يعيشون في اليونان، أغلبهم هُجّر بالقوّة وبشكل قانوني من أوطانهم. وبحسب بعض المراجع «أثّر تبادل السكان سلبيا في الطبقة البرجوازية في تركيا، حيث شكل المسيحيون نسبة هامة من هذه الطبقة».

8- رغم كل ذلك، لا تزال تركيا مركزا للعديد من المواقع المسيحية التاريخية والتراثية منها بطريركية القسطنطينية المسكونية وبطريركية أنطاكية. وفيها عدد من الأماكن المقدسة المسيحية، مثل أنطاكية وهي من أكثر مدن العالم المسيحي قداسةً، إذ تحظى أنطاكية بأهمية كبيرة لدى المسيحيين في الشرق، باعتبار أنها أحد الكراسي الرسولية إضافة إلى روما والقسطنطينية والقدس، وفيها أطلق على المسيحيين لقب مسيحيين أول مرة. أما أفسس فكانت مركزاً للمسيحية، واستخدمها القديس بولس الرسول قاعدة له، حيث كان يُجادل الحرفيين الذين كانوا في هيكل آرتميس، وهناك كتب رسالة كورنثوس الأولى من أنطاكية وأفسس. وهي تشتهر بوجود منزل العذراء مريم فيها، الذي يُعتقد بأنه آخر بيت سكنت فيه، وبات مكانا للحج.