IMLebanon

المطران حنا لـ”الجمهورية”: لن نستسلم ولسنا بضاعة مستوردة

 

 

لا يتعب رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس المحتلة المطران عطالله حنا من رفع الصوت ومناصرة الحق ضد الاحتلال الاسرائيلي، فماذا يقول عمّا يجري في الداخل الفلسطيني هذه الايام وما هي رسالته لمسيحيي لبنان والمشرق؟

متسلّحاً بخيارات مبدئية لا تتزحزح ومتحصّناً بهوية مشرقية متصالحة مع بيئتها ومحيطها، يتصدى المطران حنا من قلب القدس للعدوان الاسرائيلي على المدينة المقدسة وقطاع غزة، من دون أي مهادنة او مساومة.

 

وخطاب حنا الجذري في مواجهة الاحتلال ليس مجرّد موقف سياسي يشبه غيره، بل هو يحمل قيمة مضافة، وطنياً وثقافياً، كونه يعكس المشاركة المسيحية الى جانب المسلمين في خوض معركة حماية الحقوق والمقدسات بمعزل عن مسألة العدد.

 

وبهذا المعنى، فإنّ صلابة حنا وشجاعته إنما تكرّسان الدور النوعي لمسيحيي فلسطين في مقاومة كل أشكال الاحتلال حتى لو كانوا قلة على مستوى الكم.

 

هنا، وفي هذه اللحظة المفصلية، توقف العد لمصلحة الدور الذي يقاس بالحضور والحضارة والتاريخ والمقدسات.

 

ويؤكد المطران حنا لـ»الجمهورية» ان الفلسطينيين أصحاب قضية عادلة ومحقة، «وهذه ليست المرة الاولى التي يعتدى فيها عليهم بهذه الوسائل والانماط المروعة كما نشاهد في غزة وغيرها من الأماكن، إذ ان العدوان لم يتوقف منذ عام 1948 وحتى الآن، والفلسطينيون بدورهم لم يتوقفوا عن المقاومة والكفاح من أجل استعادة وطنهم السليب ونحن على يقين بأنهم سينتصرون في نهاية المطاف لأنهم أصحاب حق، اما الاحتلال فنهايته حتمية وآتية لا محال».

 

ويشدد على أن «الفلسطينيين المنتفضين في الاراضي المحتلة، خصوصاً القدس، لن يستسلموا ولن يتنازلوا عن حقهم في فلسطين، وكلمة الاستسلام غير موجودة في قاموسهم، بل هم أصبحوا رقماً صعباً لا يستطيع أحد تجاوزه»، مضيفاً: «نعم، لدى الاحتلال ترسانة عسكرية وهو يتلقّى دعماً غير محدود من الغرب بينما الفلسطينيون لا يملكون مثل تلك الترسانة ولا مالاً او نفطاً او مناجم ذهب، لكنهم يملكون الأهم من كل ذلك وهو الشعب والصمود والتشبث بالأرض والانتماء اليها، ولذا لسنا مستعدين للاستسلام او للتنازل عن حبة تراب واحدة من أرضنا مهما طال الانتظار».

 

ويلفت حنا الى ان الفلسطينيين يُعامَلون في وطنهم، ولا سيما في القدس، على نحو عنصري وكأنهم غرباء، ويتم التطاول على مقدساتهم الإسلامية والمسيحية، مشيراً الى ان الاحتلال «يريد ان يتحول الشعب الفلسطيني أقلية في وطنه، وهو يظن ان فاشيته ووحشيته ستدفع هذا الشعب الى الخضوع للأمر الواقع، لكنه مخطئ في حساباته، ونحن لن نخضع، مع معرفتنا بأن القضية تحتاج إلى نفس طويل وارادة وشموخ ومعنويات عالية، وهذه كلها عناصر قوة يتحلّى بها الفلسطينيون، وانا عندما زرت مستشفيات القدس لتفقّد جرحى الاعتداءات الإسرائيلية كانت هناك آلام مبرحة وجراح عميقة، لكن الى جانبها كانت توجد ارادة شامخة ومعنويات مرتفعة. وبالتالي، لن يتمكن الاحتلال من تغيير هوية القدس التي ستبقى عربية، لها خصوصيتها وفرادتها، بمقدساتها الإسلامية والمسيحية، ونحن نرفض ان يفرض الاحتلال أجندته على هذه المدينة الحاضنة لكنيسة القيامة والمسجد الاقصى، ولن نقبل بتهويدها وأسرَلتها».

 

ويؤكد ان المسيحيين الفلسطينيين ليسوا جالية ولا أقلية في وطنهم، «ونحن نرفض استخدام مثل هذه المفردات التي لا تسيء الى المسيحيين فقط بل أيضا الى فلسطين وتاريخها وتاريخ هذا المشرق الذي كان فيه المسلمون والمسيحيون معاً في الميدان دفاعاً عن قضايا الامة والعدالة، وكذلك كانوا معاً في نهضة شعوبهم».

 

ويضيف: «المسيحيون يقفون الى جانب المسلمين في ساحات القدس دفاعاً عن المدينة وفلسطين، واننا كمسيحيين فلسطينيين لسنا متضامنين مع إخوتنا فحسب، بل نحن نفتخر بانتمائنا الى هذا الشعب المقاوم والمناضل من أجل حريته ونفتخر بانتمائنا الى المسيحية التي بزغ نورها من فلسطين، حيث مهد ديننا وأرض القيامة والمقدسات والتاريخ والتراث، فنحن لسنا بضاعة مستوردة من الغرب ولسنا من مخلفات الحملات التي ألمّت ببلادنا، والمسيحيون سيبقى لهم دور اساسي داخل فلسطين ولو أصبحوا قلّة في العدد، لا أقلية، وهذه القلّة ستظل متمسكة بتأدية واجبها الوطني والانساني، ولن نتخلى عن فلسطين وهويتها الوطنية والعربية ولا عن قيم إيماننا الذي يحضّنا دوماً على نصرة المظلومين والمعذبين، لا سيما شعبنا الفلسطيني المنكوب».

 

ويتوجّه حنّا بنداء حار الى الكنائس والمسيحيين ومرجعياتهم وقياداتهم الدينية في لبنان والمشرق قائلاً: «عندما تدافعون عن فلسطين فإنكم تدافعون عن المسيحية في مهدها وعن المسيحيين الباقين الصامدين في وطنهم وعن أنبل قضية عرفها التاريخ الإنساني، وعندما تدافعون عن القدس فإنكم تدافعون عن اقدس بقعة في هذا العالم اختارها الله لتكون مكان تجسّد محبته نحو البشر، وأذكركم بأن في القدس كنيسة القيامة والقبر المقدس الذي يُعتَبر في المسيحية القبلة الأولى والوحيدة وأهم مكان مقدس بالنسبة إلى الإيمان المسيحي، وانتم تعرفون ماذا تعني القيامة لنا. نحن نعرف انكم تقفون الى جانب فلسطين والقدس الا اننا نطمح الى أكثر من ذلك، ونريد أن يكون هناك موقف واضح وجريء منكم وان تتم مخاطبة الكنائس في العالم كي تتحرك نصرة لفلسطين وقضيتها».