IMLebanon

1.5 مليون لبناني تحت خط الفقر

 

الأزمة زادت نسبة الفقراء 61 %

 

 

لم تأتِ الأزمات فرادى على اللبنانيين، بل مُتتالية وبوتيرة سريعة. لعلّ أسوأها هو انهيار العملة الوطنية، حيث حطت الأزمة الإقتصادية رحالها في كل بيت لبناني، وانكوت بنارها الأسر الأكثر هشاشة على المستوى المعيشي، فارتفعت نسبة الفقراء 61%، ودخل تصنيف لبنان بين الدول الأكثر فقراً في العالم.

 

وأظهرت دراسة نشرتها احدى منظمات الأمم المتحدة حول الفقر في لبنان تحت عنوان «الحاجات الأوليّة»، أنّ «عدد اللبنانيين الذين هم تحت خط الفقر 1,5 مليون، وعدد اللبنانيين فوق خط الفقر 2,5 مليون نسمة، إضافة إلى 178200 لاجئ فلسطيني تحت خط الفقر و91800 لاجئ فلسطيني فوق خط الفقر، في حين يبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى الأمم المتحدة بصفتهم لاجئين تحت خط الفقر 720 ألفاً، و اللاجئين السوريين المسجلين فوق خط الفقر 780 ألفاً. وهناك شبه اجماع على ان توسع رقعة الفقر لتشمل اللاجئين يشكل خطراً اضافياً على لبنان.

 

كما أظهرت الدراسة «إرتفاع نسبة أعداد الفقراء في لبنان بنسبة 61 في المئة منذ العام 2011 لغاية العام الماضي وأن 28,55% من سكان لبنان يعيشون بأقل من أربعة دولارات يومياً».

 

وجبة غداء اللبناني تبدّلت

 

وهذا الواقع انعكس على القدرة الشرائية للمواطن اللبناني، ويُوضح الباحث في «الدولية للمعلومات» صادق علوية، في هذا الإطار أنّ «إنخفاض القدرة الشرائية لدى اللبنانيين بشكل كبير جرّاء الأزمة الإقتصادية التي أصابت لبنان، قد انعكس سلباً على الطعام الذي تتناوله الأسر اللبنانية.

 

وتبيّن وفق دراسة أعدّتها «الدولية للمعلومات» وحصلت عليها صحيفة «نداء الوطن» أنّ «الأسرة اللبنانية، المؤلّفة من ثلاثة الى أربعة أفراد، تحتاج إلى ما يوازي 14.7 مليون ليرة شهرياً، وذلك لتناول وجبة الغداء فقط، وذلك من دون احتساب الخبز أو طعام العشاء، أو الفطور الصباحي، ومع اعتبار أنّ الوجبة لا تحتوي على كميّة كافية من اللحوم، وإنما الحدّ الأدنى منها، البالغ 400 غرام، لمدّة لا تتجاوز 10 أيّام في الشهر، ممزوجاً بوجبة الغداء، ممّا يعني أن الأسرة اللبنانية تحتاج، بالحدّ الأدنى، إلى ما يزيد على الأربعين مليون ليرة شهرياً للطعام والشراب».

 

بالإضافة إلى ما تقدّم، تلجأ الأسر إلى تغطية كفايتها لبلوغ حدّ الإشباع النسبي، في ظلّ محدودية الرواتب وإرتفاع أسعار السلع، باستبدال اللحوم الحمراء والدجاج بأصناف أبخس ثمناً كالبطاطا وبعض أنواع الخضار. فعلى سبيل المثال وجبة «البرغل بالبندورة» ستكلّف الأسرة نحو241 ألف ليرة يومياً كحدّ أدنى، مع الخبز لوجبة الغداء وحسب، أي من دون احتساب وجبتي الفطور والعشاء، وفق ما تُشير «الدوليّة للمعلومات».

 

الإتجاه إلى مواد تنظيف رخيصة

 

من جهة أخرى، تلفت «الدوليّة للمعلومات إلى أنّ «انخفاض القدرة الشرائية لدى البنانيين قد انعكس أيضاً على شراء مواد التنظيف والصابون، والاتجاه نحو السلع الأبخس ثمناً ومنها المحلية الصنع. يظهر هذا الأمر من خلال انخفاض مستوردات لبنان من هذه الأصناف بنسبة 61%، وهذا يدفع اللبنانيين للإعتماد على السلع المحلية الصنع، إذ انخفضت صادرات لبنان من الصابون ومشتقاته بنسبة تقارب الـ 34% (سائل، مسحوق، معجون)، واتّجهت إلى تغذية السوق المحلي عوضاً عن التصدير».

 

مواد غير آمنة تّهدّد صحة الفقراء!

 

إلا أنّ ما يجدر التنويه إليه، هو أنّ عدداً من اللبنانيين، وبسبب انخفاض قدرتهم الشرائية، يتّجهون إلى شراء مواد تنظيف غير آمنة، ولا تراعي الشروط الصحّية والبيئيّة، وخصوصاً تلك المنتجة في مصانع مواد التنظيف غير المرخّصة، كما المخالفة لقرارات وزارة الصناعة، وتحديداً القرار الرقم 21/1 الصادر بتاريخ 17/3/2022، والذي يتناول الشروط الواجب مراعاتها في مصانع مواد التنظيف.

 

قد تصدم الأرقام حول معدلات الفقر المتابعين للوضع اللبناني لكن معايشة وضع كل أسرة في البيئات المختلفة تبيّن أن الأرقام هذه عاجزة حتى عن ملامسة الحد الذي وصل إليه واقع هذه الأسر. وفي ما يلي شهادات توثّق واقع أسر فقيرة، من الشمال إلى الجنوب والبقاع وبيروت والجبل:

 

الراتب 4 ملايين ليرة وكلفة الدواء 3 ملايين

 

يعمل الوالد طلال الصالح إبن بلدة البرج العكاريّة، 49 عاماً، بـ «الفاعل» ويتقاضى شهرياً بين 3 و 4 ملايين ليرة».

 

 

ويروي طلال أنه «لديه كلفة دواء بـ 3 ملايين كل شهر، وذلك بعد تعرّضه لذبحة قلبية حيث أصبح يتناول أدوية للقلب والسكري»، ويشرح معاناته قائلاً: «أمنت الدواء هذا الشهر من سوريا ولكني قلق من الأشهر المقبلة وخائف من عدم تأمين القوت اليومي لعائلتي».

 

الراتب 5.2 ملايين ليرة وعدد الأولاد 9

 

وحال بلال محمد الصالح لا يختلف كثيراً، فهو متقاعد من الجيش، لديه 9 أولاد، مدخوله الشهري مع الزيادات أصبح 5 ملايين و200 ألف ليرة.

 

وبلال لديه «4 أولاد في المدرسة وفتاة متزوجة وشاب في الجيش لكن معاشه لا يكفيه حتّى كلفة مواصلات، وشابان عاطلان عن العمل أنهيا مرحلة التعليم المدرسي إلّا أنهما لم يتمكنا من تكملة دراستهما الجامعيّة، بسبب الأوضاع المادية»، وهنا يقول بلال: «كلفة النقل لوحدها لا تخولهما الدراسة في الجامعة».

 

ويضيف: «ندبّر أمورنا من هنا وهناك «الله ما بيقطع بحدا، المهم الصحة منيحة والله يبعد المرض، لا يمكننا تحمّل كلفة العلاج، وكل ما أرغب به اليوم هو أن يتمكن ولداي من السفر إلى الخارج لتأمين مستقبلهما، لأن لا مستقبل هنا».

 

ومع الإرتفاع الجنوني لسعر صفيحة البنزين، يؤكد بلال أنه «لا يستعمل سيارته إلّا في الحالات الطارئة والضروريّة جداً، فراتبه يوازي سعر صفيحتيّ بنزين».

 

 

ما عسى الإضرابات أن تفعل مع منظومة تعيش على كوكب آخر؟!

 

عمل في البيوت… وإهانات

 

أما وجع عليا فمختلف، فهي الوالدة المطلقة والمسؤولة عن شاب يبلغ من العمر 28 عاماً ويعاني من إعاقة نتيجة تعرّضه لحادث سير إلى جانب ولدين يقطنان معها.

 

وهنا «الوجع مزدوج»، عليا حسن الفحل البالغة من العمر 53 عاماً، تقطن مع أولادها داخل منزل بالإيجار في برج حمود، وهو ما يصحّ أنْ يطلق عليه شبه منزل إيجاره 50 دولاراً، وهي تعمل في تنظيف البيوت، وتتعرّض للإهانات مرغمة، وفق ما تروي.

 

جان: اللحوم والأسماك 3 مرات بالشهر فقط

 

أما جان سائق التاكسي، وهو رب عائلة مكونة من 5 أفراد، فيشير إلى أنّ «المبلغ الصافي الذي يحصل عليه في الشهر لا يتجاوز الـ 5 ملايين ليرة، هذا إنْ لم يحدث أي عطل في السيارة يكلّفه حصيلة عمله الشهري بأكمله».

 

وجان لديه 3 من أولاده يعملون، يساهمون معه في مصروف البيت، إلّا أنّه رغم ذلك لا يتمكّن أحيانًا من الوصول إلى آخر الشهر دون الإستدانة من أصدقائه، حتى وإن كان أسلوب حياته تغيّر كثيراً عن الماضي، فعائلته نسيت الرفاهية حتّى في الطعام، يأكلون اللحوم والأسماك مرتين أو 3 بالشهر، عدا عن استغنائهم عن الكثير من الكماليات وحتّى الأساسيات احياناً كثيرة».

 

ولا يخفي جان خوفه الدائم وما يخشاه من المستقبل، تحسباً إلى أي أمر قد يؤدي إلى تدهور حالته الصحية، خاصة أنه «لم يعد بإستطاعته العمل لوقت طويل على سيارته بسبب تراجع صحته، التي تأثرت بشكل كبير في الظروف الإقتصادية الصعبة التي نمرّ بها».

 

صديق خليجي يرسل لي 200 دولار شهرياً

 

وجواد ابن حمانا الجبليّة، العائد من الغربة منذ عام ونصف تقريباً، وهو أب لطفلين لم يجد عملاً في وطنه الأمّ.

 

جواد الذي ربى طفليه على الرفاهية ولم يحرمهما من أي شيء كانا يطلبانه، هو قضى عمره في إحدى دول الخليج لتأمين مطالبهما، إلّا أنّ عقد عمله هناك انتهى فاضطر للعودة إلى لبنان، وكانت عودته في ظل أسوأ أزمة يعاني منها البلد.

 

وعن تسيير أوضاعه المعيشية، يؤكد جواد أنّ «صديقه الخليجي يرسل له ما بين الحين والآخر مبلغاً بحدود الـ 200 دولار أميركي لحين إيجاد عمل يوفر له مدخولً»، وبالإضافة إلى مساعدة صديقه يلجأ جواد إلى استعمال حساب شقيقه في المصرف للإستفادة من منصة صيرفة، وهنا يختصر جواد حاله بالقول: «نحاول قدر المستطاع تدبير أمورنا حتى الله يفرجها».

 

وبصوت ممزوج بالقلق والخوف، يقول الوالد جواد: «هذا العام تمكنت من تسجيل ولديّ في المدرسة، لكن التحدي الأكبر والذي أخشى منه هو عدم تمكني من تسجيلهما العام القادم، أعيش بقلق مزدوج، فاليوم هناك خوف من الحاضر، فكيف سنستطيع أن نكمل».

 

ويضيف: «حتى طعامنا تغيّر فاللحوم والأسماك بالمناسبات فقط، فأغلب طعامنا من الخضار»، لافتاً هنا إلى «الدور الإيجابي الذي تلعبه خلايا الأزمة في الجبل، وهي لجنة مؤلفة من الجمعيات العائلية والأحزاب الفاعلة في المنطقة، والتي تقوم بتوزيع الحصص الغذائية على أغلبية الأهالي، وحتى في أمور الإستشفاء فهي تقف بجانب أي شخص محتاج».

 

أعيش مع بنتي لتوفير كلفة تدفئة

 

أمّا أبو ربيع الذي «حطّ فيه الدهر» وفق تعبيره، فدفعه البرد القارس في إحدى قرى بعلبك وعدم قدرته على تأمين وسائل التدفئة إلى إغلاق منزله والسكن مع ابنته لحين إنقضاء الشتاء.

 

فأبو ربيع الرجل السبعيني والذي يعاني من السكري والضغط، دخله شهرياً مليون ليرة وهو بدل إيجار غرفة يملكها ببيروت. وهذا المبلغ لا يكفي حتى ثمن قارورة غاز، وأما بالنسبة للأدوية التي يحتاجها فيؤمنها له ابنه وهو أيضاً «عايش على قدو». ابنه أب لطفلين ويعمل في مِهنتيْن من أجل تأمين حاجات عائلته وأدوية والده، ولكنه يصل أحيانا إلى 20 من الشهر ولا يملك فلساً، ما يضطره أحياناً إلى الإستدانة».