IMLebanon

اللعب السياسي» بطريقة خاطئة مع بعبدا قد يُغير الكثير من المعادلات

 

من أزمة الى اخرى يحمل رئيس الحكومة سعد الحريري «ملفاته» ومشاكله ويغوص باحثاً عن حلول لتلك الأزمات التي تندفع فجأة في وجهه، فمن أزمة وليد المعلم الأخيرة ولقاء وزير الخارجية جبران باسيل  به ويعد تجاوز هذا القطوع السياسي وقطوع الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب والعديد من الملفات الداخلية والقضايا الساخنة، انفجرت في وجه الحريري هذه المرة أزمة السعودية مجددا وتصريحات الوزير السعودي ثامر السبهان وتهديداته ووعيده للحكومة وحزب الله، بحيث بدا الى حد كبير ان الوزير السعودي ذهب في التصعيد الى الأخير هذه المرة بقوله وتأكيده ان تغريداته ليست  شخصية، بل مرتبطة بالموقف الرسمي السعودي مما طرح تساؤلات حول ماهية وابعاد واهداف هذه التغريدات، خصوصاً انها ليست المرة الأولى لكنها ربما الأعنف خصوصاً انها حملت رسالة على عجل الى رئيس الحكومة عجلت في زيارته الى المملكة بعدما كان سبقه اليها قيادات في 14آذار.

واذا كان ما سمعه الحريري في السعودية يبقى ملك الحريري نفسه، فان ردة فعل الحريري سوف تبدأ بالظهور ومفاعيل اللقاءات السعودية ايضاً، لكن  المؤكد  وفق حلفاء رئيس الحكومة في العهد الجديد بان الحريري لن ينجر الى اية افخاخ او تسويات على حساب ما انجزه حتى الآن، فرئيس الحكومة خاض التسوية الرئاسية بمباركة «غير سعيدة» او رضى غير مقبول حتى من السعودية لكن الحريري سار عكس كل التيارات عندما أنجز هذه التسوية، بعكس تياره وجمهوره وشعبيته وحتى عكس قناعاته ايضاً لأن الاستقرار ومصلحة البلاد اقتضت ذلك الموقف في حينه. هذه المعادلة لا تزال سارية حتى اليوم فالحريري مهما بلغت التعليمات لا يمكن ان ينجر في اطار الحرب التي تقودها المملكة فالوقوف في وجه حزب الله يعني العودة الى المتاريس مجدداً او تطيير الحكومة، وهذا ما لا يريده الحريري الذي يتمسك بالتسوية الرئاسية مع بعبدا، ولا يرغب بالخروج من الحكومة او الاستقالة من الحكومة الذي يعني القضاء على مستقبله السياسي، كما يدرك الحريري ان الاعتكاف او التمرد يصيبه باضرار جسيمة خصوصاً ان بنية الحريري والمستقبل ليست سليمة بعد.

من هنا في اعتقاد حلفاء الحريري ان رئيس المستقبل لن يطيح بالطاولة التي جلس عليها مع مكونات وافرقاء واخصام وحلفاء سابقين وجدد من اجل ضمان الاستقرار، وهو يتفهم ما تمر به المملكة التي منيت بخسارات سياسية وعسكرية  في حروب اليمن وسوريا والعراق وهي اليوم تخسر اوراقاً سياسية في لبنان. بدون شك فان كلام السبهان موجه الى رئيس الحكومة بالدرجة الاولى واذا كانت احزاب وتيارات 8 آذار تمارس ضبط  النفس كرمى للحريري ولعدم اندلاع مواجهة داخلية علماً  ان الكلام السعودي تجاوز الخطوط الحمر المقبولة، فان الحريري فهم الاشارات الداخلية ومن بعبدا تحديدا التي لا ترغب باندلاع الاشتباك السياسي مع الفريق السعودي وان كان رئيس الجمهورية متململاً الى حد كبير، وهو الذي أكد في ذكرى مرور عام رئاسي امام الاعلاميين انه يرفض اي كلام سواء من إيران او الولايات المتحدة او اي احد.

بدون شك تضيف الاوساط فان ما يصح حالياً على موقف رئيس الحكومة من الاستدعاء السعودي  ينطبق عليه القول: «wait and see»، لكن المؤكد ان رئيس الحكومة لا يمر بافضل اوقاته السعيدة  وسط الضغوط الراهنة عليه، فالحريري سيخوض الانتخابات النيابية التي لن تكون سهلة على تياره مع كل ما اصابه من نكسات وابتعاد لسنوات عن الحياة السياسية ادت الى نشوء قيادات سنية رديفة له، ومؤخراً تم تسريب معلومات ان المملكة سوف تضغط وتمول معركة الحريري الانتخابية وبالتالي فان اي موقف سلبي من الحريري تجاه المملكة او عدم مجاراتها في التصعيد يعني ذهاب المال الانتخابي الى اخصامه في الشارع السني، ويواجه الحريري عقد كثيرة في الانتخابات من عقدة أشرف ريفي الطرابلسية الى عقدة جمال الجراح في البقاع خصوصاً في ظل أزمة وزارة الاتصالات، فالقسوة على الجراح تعني تحوله الى أشرف ريفي آخر في البقاع واستبداله كما يتم الحديث بالوزير السابق محمد رحال سوف يخلق نقمة في وجه الحريري في ظل نفوذ الجراح الخدماتي والشعبي في منطقته، أما وزير الداخلية نهاد المشنوق وان كان رئيس الحكومة أطلق يده في معركة بيروت انتخابياً إلا ان الحريري لا يرتاح «لشطحات» ومزايدات المشنوق عليه في المواقف السياسية، فمقابل التموضع الجديد للحريري فان وزير الداخلية يعلن دائماً تمايزه عن رئيس المستقبل كما حصل في أزمة وليد المعلم وفي انتخابات الأونيسكو عندما أعلن المشنوق ان لبنان سيصوت الى جانب قطر فكثيرة هي المرات التي يتمايز فيها وزير الداخلية عن رئيس تياره.

النأي بالنفس الذي مارسه رئيس الحكومة فتقول اوساط سياسية بان الحريري الذي انجز التسوية الرئاسية قبل نحو سنة لا يزال متشرذماً ويتخبط بين منطقين، منطق الدولة وعودته الى الحكم وما  تريده السعودية وما يريده فريقه السياسي ومتطلبات جمهوره وقواعده السياسية وان كان رئيس الحكومة يغلب التعاون والتنسيق مع الرئاسة الاولى  على كل الأولويات ويضع رأسه على كتف بعبدا بتموضع وارتياح .

يدرك الحريري  في سره ان الأزمة اللبنانية غير معزولة عن الأزمة المحيطة بلبنان وتداعيات الأزمة السورية تترجم بمنحدراتها الاقتصادية والاجتماعية في الداخل اللبناني، وبالتالي فان التمترس بمواقف سلبية وعدم مجاراة الوقائع والمتغيرات يعقد الوضع اللبناني ولا يريحه. وبالتالي فان ربط حل الأزمة السورية برحيل الرئيس السوري بشار الأسد او تغيير النظام في وقت سلم العالم باستحالة تحقيق هذا الأمر هو ضرب من المغامرة السياسية التي يلعبها آخرون غيره وهي تقود الى المجهول والى تداعيات  اضافية، وبحسب الاوساط فان الحريري لا يملك ترف التنكر لهذا الواقع لانه لا يملك بديلاً خصوصاً انه يحاذر الاقدام على خطوة من شأنها اخراجه من المشهد السياسي في حال ركب موجة التصعيد مع الشركاء او المملكة السعودية، لان الحريري عارف ان وجوده على رأس الحكومة ضمانة لحضوره السياسي والشعبي في لبنان في مرحلة تشهد الساحة السنية خلط اوراق وتشكيل قوى دولية تمتلك المال والقاعدة الشعبية. فكيف يمكن لرئيس تيار المستقبل ان يستمر في المشاكسة والسير عكس التيار فيما هو لا يملك المقومات التي كانت بحوزته قبل خروجه من الحكم، كما يمكن فهم موقف المستقبل او ما يقوله ويفعله الحريري مباشرة او غير مباشرة او من خلال شخصيات قريبة منه بانه لشد العصب على الساحة السنية.

رئيس الحكومة لا يريد ان يخطو خطوة في المجهول تضاف الى مآزقه المتعددة،  ويحاول ان ينأى بنفسه عن حسابات الآخرين وعن الضغوط في تيار المستقبل من الجناح المتشدد برئاسة السنيورة وآخرين ومن ضغوط المملكة، فهو مدرك ان مصلحته اليوم هي بالحفاظ على افضل العلاقات وتفادي الانزلاقات من اجل البقاء في رئاسة في الحكومة للافادة من موقعه تمهيداً للانتخابات، فمرحلة الغياب القسري اضعفت الحريري وادت الى نشوء زعامات سنية رديفة ولها شعبويتها .

عدا ذلك فان اللعب بطريقة خاطئة  في ملعب رئيس الجمهورية ميشال عون يضر بالحريري فالرئيس عون وفق الاوساط لا يشبه غيره من الرؤساء فهو يتحصن بالقاعدة الشعبية وكتلة نيابية ووزارية كبيرة وتأييد مطلق من حزب الله ومن رئيس المجلس النيابي الذي يتناتش ويتنازع مع عون حول ملفات داخلية وفرعية لكن من دون الخروج عن الثوابت وعن العناوين الكبرى، وبالتالي فان الحريري الذي وقع مرسوم تعيين السفير اللبناني في سوريا بدون اي تردد ودون ان يرف له جفن خوفاً من اي ردود فعل، لن يسير في مغامرات يريده الآخرون ويفتعلونها وهو عارف ان اغضاب بعبدا ممنوع ورئيس الجمهورية  قد لا يسامح مجدداً او لا يملك مقومات تغطية رئيس الحكومة في حينه.