IMLebanon

الندم السياسي وأفيون النسيان

                            

استقرت المجتمعات على قاعدة الثواب والعقاب والحقوق والواجبات، وابتكرت آلياتها التنفيذية وأدواتها الإدارية والأمنية والقضائية والتحفيزية، فشعور الانسان بالرضى و الندم هو القاعدة الأساس في عملية الانتظام البشري، وذلك الإحساس هو روح كل قوانين الثواب والعقاب، فالفرد الانسان يشعر بالرضى عند حدوث ما يعتقده صواب وبالندم عندما يخطىء التقدير او التصرف.

الشعور بالندم قد يستطيع انقاذ اللبنانيين مِن الادمان على النسيان واسبابه ونتائجه واعتباره علاجاً لكل المشكلات والتحديات، وذلك بعد ان اتخذوا من النسيان خشبة خلاص لاستمرار التجربة اللبنانية العرجاء الفاقدة للذاكرة الوطنية، حتى امسى تاريخنا سلسلة من حقبات النسيان واصبح لدينا قاموس من المصطلحات التي تساعدنا على النسيان واستمرار كذبة العيش الآمن والمستقر في لبنان.

عالج اللبنانيون آثار نزاع ٥٨ المسلح بالنسيان ومصطلح لا غالب ولا مغلوب، بما يتنافى مع قواعد النزاع وحتمية وجود منتصر ومهزوم، ودخلوا في مرحلة من النسيان حتى الانقلاب العسكري الفاشل نهاية عام ٦١ الذي قاده بعض المغلوبين في احداث ٥٨، واستمر لبنان باعتماد سياسة المعالجة بالنسيان الى ان انتصر المغلوب على الغالب في الانتخابات النيابية عام ٦٨ ، والتي أسست لمغامرة اتفاق القاهرة ٦٩، وما تسبب به من كوارث وتداعيات من العام٧٥ الى الاجتياح عام ٨٢ الى عام ٨٩ وتسوية الطائف وتجديد ادارة الأزمات بالنسيان السياسي والاستيعاب والعفو العام وما شهدناه من انتخابات ومقاطعات وحروب وتمديدات وقرارات دولية واغتيالات وشغورات وانقسامات ،ومنذ ١٩٥٨الى ٢٠١٨ ونحن بحالة انتظار دائم لحدث جديد ينسينا الحدث السابق وهذا ما ينتظره جميع اللبنانيين هذه الايام.

لا يعرف اللبنانيون اي شيء عن الندم السياسي او الطائفي او الندم الاجتماعي والاقتصادي، ولم يعرف اللبنانيون اي من الاحزاب العلمانية او الطائفية التي اقدمت على  المراجعة والتقييم والاعتراف بأخطائها والاعتذار من الوطن والمواطنين على ما تسببته من احداث ونزاعات وانهيارات وارتكابات ومجازر واغتيالات وسرقات والذبح على الهويات ومن خراب ودمار اقتصادي واجتماعي وعمراني وتربوي وأخلاقي، ولم يعرف اللبنانيون أيضاً اي من القيادات التي أعربت عن ندمها السياسي واعترفت بارتكاباتها بحق الوطن والمجتمع والإنسان.

لا بد من التأسيس لثقافة الندم  بعيدا عن مسكنات النسيان، والتي لم تعالج أوجاعنا بل جعلتنا نتكيف مع ازماتنا والانفصال عن واقعنا المأزوم الذي تعاظمت تداعياته بسبب الإدمان على النسيان،حتى بتنا ننسى أنفسنا واهلنا وأحبائنا وننسى على مدى أشهر تشكيل الحكومات وننسى لسنوات انتخاب رئيس للبلاد وننسى إصدار موازنة عامة لمدة عشر سنوات، وننسى اهمية المراجعات والندم الانساني ومواجهة الذات باحترام الذات.

اخشى ان نكون قد وصلنا الى مرحلة حيث لا ينفع الندم، وأن نكون قد أسرفنا بتعاطي  النسيان، اذ يبدو ذلك واضحاً من خلال متابعة الصحف ونشرات الاخبار والتي تتحدث عن غيبيات وتهيئات وانتخابات واولويات هي خارج الزمان والمكان ولا علاقة لها بما تشهده المنطقة من تحولات كبرى لم تحدث منذ مئة عام، ويبقى السؤال  هل اللبنانيين قادرون على مواكبة التحولات وضروراتها وتحمل مسؤولية الخروج من دمارنا الاخلاقي والمجتمعي والمؤسساتي والدخول في مرحلة من الندم السياسي وعدم تعاطي أفيون النسيان؟