IMLebanon

ألكسندر نجار: ترشّحتُ لمركز نقيب المحامين للنهوض بمهنتنا المنكوبة

كتب وسام أبو حرفوش في “الراي”:

هو «ظاهرةٌ» أقرب إلى الاستثناء. عمرُه كأنه أعمار كثيرة في روايةٍ بكّرتْ بداياتُها ولا نهايات لحبْكتها الجميلة. أكثر من 30 مؤلَّفاً لإبن الـ 54 عاماً. فمن قصته البوليسية يوم كان في التاسعة من عمره، إلى «أمير البحار» عن «سر أبيه» أخيراً، صالَ وجالَ ألكسندر نجار، الكاتب والمحامي، في رحاب تجربةٍ لا تُشْبِه سواها.

لا هزيمة الـ1967 هزمتْه ولا حرب الـ1975 عَسْكَرَتْه ولا كل القمع الدموي في بلاده لوى قلمه. وحدها الحرية الساكنة في حبره أزهرتْ ربيعاً دائماً في حصاده، من رواية وشعر وقصة ونقد وصحافة وقانون، منذ «فتوحاته» الثقافية الأولى صبياً في باريس وحتى إطلالاته الكثيرة بـ «روب» العدالة أخيراً في بيروت.

ألكسندر نجار، الكاتب الأنيق والمحامي اللامع، الذي حاز أخيراً على الجائزة الفرنكوفونية الكبرى من الأكاديمية الفرنسية لسنة 2021، يستعدّ الآن لخوض تجربةٍ بالغةِ الأهمية في بيروت عبر ترشُّحه لانتخابات مجلس نقابة المحامين ومركز نقيب المحامين، وعيْنُه على النهوض بهذه المهنة في وطنٍ مُصاب بكبوة لا يُحسد عليها.

«الراي» التقت نجار في حوار تناول جوانب من تجربته، في ما يأتي نصه:

مَن يتصفح CV اسكندر نجار منذ أن بكّر في روايته الأولى وحتى «أمير البحار»، يشعر بأنه أمام شخوصٍ عدة في قلم واحد، أو أننا في حضرة ورشةٍ من حِبْرٍ لا تستكين. ما سرّ هذه الحيوية في حيواتٍ مفتوحةٍ على العدل والقانون والكتابة والرواية والقصة والشِعر والنقد والصحافة وربما السياسة ضمناً؟ ما كل هذا المطر الغزير كأنك الربيع في أزمنة خريفنا؟

– أعتقد ان الحرب علّمتْني أن أستفيد من الحياة لأنها هشة والموت محدق. يقول ميشال بوتور: «ان كل كلمة نكتبها هي إنتصار على الموت». من هنا إهتمامي بالكتابة أيضاً. المحاماة مهنتي فيما يشكل الأدب متنفساً وإنفتاحاً على الثقافة والإبداع. إن القاسم المشترك بين المحاماة والأدب هو الدفاع عن الإنسان والحريات العامة، بالإضافة إلى عشق الكلمة وإختيار المصطلحات بدقة وتأن.

في كتابٍ أصدرتَه أخيراً، تناولتَ آخِر عشرين عاماً من لبنان المئة عام، أي فترة ما بين 2000 – 2020. لماذا إخترتَ هذه الحقبة التي أوّلها لا يشبه آخِرها… تَمَلْمُلٌ ودم وثورة فإستقلال، إرتداد وإغتيال وسقوط، فإنهيار وإرتطام وهذيان… ما الذي جعلك تُبْحِرُ في هذه المسافة، هل لأنها تبدو كأنها نهاية لشيءٍ لم ينته بعد وبداية شيء لم يبدأ؟

– أنا ابن دير القمر وتربطني علاقات عائلية مع كسروان وصور وصيدا، ولكنني عشتُ طفولتي في بيروت وأعمل فيها. ان تفجير المرفأ شكل لي صدمةً كبيرةً، وقد فقدتُ عدة أصدقاء نتيجة هذه الفاجعة. كان من الطبيعي أن أكتب عنها في هذه الرواية (Le syndrome de Beyrouth) التي تستعرض 20 سنة من تاريخها المعاصر مع ما تحمله من حروب وثورات واغتيالات. مع تفجير المرفأ طفح الكيل وبَلَغْنا ذروةَ الإهمال واللامسؤولية والتواطؤ. كتابي، الذي أهديتُه إلى أرواح الضحايا، هو صرخةُ غَضَبٍ ومطالبة بالحقيقة لأن الحقيقةَ حقٌّ وواجب. كما يشكّل تحية إلى الصحافة وإلى مَن دفع ضريبة الدم لتحيا حرية التعبير…

«أمير البحار» عنوانٌ لكتاب آخَر أصدرْتَه حديثاً وهو ينطوي على سيرة والدك، الحقوقي الكبير وأستاذ القانون البحري المحامي روجيه نجار… كيف لإبن أن يؤرّخ سيرة والده؟ ماذا عن هذا الأمير؟ وبأي عيْن تروي حياته… عين الإبن، التلميذ، الناقد، الشاعر. عين أب يروي أبيه؟-

– نتكلم دائماً عن دور الأم، وهي بطلة حقيقية في خضم المشاكل المتتالية، وننسى أحياناً دور الأب الذي يكافح أيضاً من أجل تأمين لقمة العيش لأُسْرته ويحمل بصمتٍ هموماً لا تُحصى ويلعب دوراً في إغناء أولاده بالقِيَم والمبادىء والحِكْمة المستمَدّة من خبرته.

من الصعب طبعاً أن يؤرّخ الكاتبُ سيرةَ والده، إلا أن هذه السيرة هي نوع من مرآة للقارىء اذ تعكس لهذا الأخير تجربته الشخصية… وقد عبّر فكتور هوغو عن هذه الفكرة في مقدّمته لمجموعته الشعرية «التأملات» حيث يخاطب القارىء قائلاً له: «عندما أتكلم عن نفسي أتكلم عنك انت»! والدي كان يعشق المحاماة وكان كالناسك الذي كرّس حياتَه لرسالته. ولكنه كان مميزاً أيضاً على الصعيد الإنساني فوجدتُ في مسيرته وتفاؤله ما من شأنه إنارة القارىء.

ما من شيء على ما يرام في لبنان، الذي لم يَعُد كما كان… ولعل الثقافة وكُتُبها ومنَابرها «الضحية الصامتة» لِما آلت إليه نكبتنا… هل تعتقد أن طائر الفينيق ملّ رماده وملّ النهوض؟

– لبنان خزّانٌ للطاقات المبدعة في شتى المجالات، وقد لمستُ ذلك خلال تجربتي الطويلة كمستشار في وزارة الثقافة. ولكن يوجد اليوم إحباطٌ لدى عدد كبير من المثقفين والفنانين، والأزمة الاقتصادية وفاجعة المرفأ وجائحة كورونا هي المسؤولة عن هذا الوضع. إن العودة إلى حياة ثقافية طبيعية مرتبطة بتحسن الأوضاع الاقتصادية والمالية، إذ ان طباعة الكتب أو الإنتاج أو إقامة المعارض أصبحت مكلفة جداً في حين أن القوةَ الشرائية لدى المُواطن اللبناني انهارتْ فلم تَعُد الثقافةُ من أولوياته. أمَلي أن تأتي سريعاً الأموالُ التي رصدتْها الدول المانحة لقطاع الثقافة في لبنان لإنقاذ هذا القطاع بعيداً عن الهدر والمحسوبيات. كما أدعو جامعة الدول العربية لإنشاء صندوق دعمٍ لمساعدة الثقافة في لبنان، علماً أن هذه الثقافة لعبت دوراً أساسياً في النهضة العربية ولا تزال تُغْني المكتبة العربية.

أكثر المَظاهر مأسوية في لحظة السقوط هو إنهيار شبكات الأمان وفي مقدمها القضاء الذي نهشتْه السياسة وخرج عبر الشاشات مضرجاً بالشعبوية والخيبات والبوليسية… هل من أمل للخروج من كل هذا الإنحطاط؟

– أخشى أن يكون هذا الإنحطاط مقصوداً وأن تكون بعض الجهات تخطّط لضرْبِ مرفق العدالة لمنعه من أداء مهامه ولإضعاف دولتنا «الفاشلة» أكثر وأكثر. التشكيلات القضائية مجمّدة، ومجلس القضاء الأعلى شبه معطّل بسبب عدم تعيين أعضاء جدد، وقانون إستقلالية القضاء عالِقٌ، وهيئة التفتيش القضائي في غيبوبة… وثمة تجاوزات حصلت من بعض القضاة، ومنها عدم إحترام حصانة المحامي وحالات تمرُّد غير مسبوقة أثّرتْ سلباً على هيْبة السلطة القضائية. وقد جاء إضراب المحامين المفتوح كردة فعلٍ على هذا الواقع المرير. إلا أن الإضراب المفتوح سلاح ذو حدين (تم رفعه أخيراً) إذ أرهق المحامي المرهَق أصلاً بسبب إقفال المحاكم نتيجة جائحة «كورونا». وفي ضوء هذا الوضع المزري، تقدّمتُ بترشيحي لعضوية مجلس نقابة المحامين في بيروت ومركز نقيب المحامين لدورة تشرين الثاني 2021. وأنا عازم على التغيير والنهوض بمهنتنا المنكوبة ومساعدة المحامين الشباب الذين يواجهون البطالة أو الهجرة، مع ضرورة متابعة الملفات التي تتعلق بتفجير المرفأ والمصارف والفساد والإغتيالات حتى النهاية… صحيح ان التحديات عديدة ولكن علينا تحصين المهنة وتحسينها قبل فوات الأوان!