IMLebanon

برنامج فرنسيس العربي الإسلامي

 

 

لم تتخذ زيارات البابا فرنسيس العربية في أيٍ منها طابعاً كنَسياً ضيقاً. بل جاءت في توقيتها وجدولها الزمني وعناوينها ضمن نطاق انساني أشمل، لتعطي للكنيسة والفاتيكان الدور الذي يريانه لموقعهما في بدايات القرن الواحد والعشرين.

 

لو كان البابا فرنسيس، ذو الأصول الأميركية اللاتينية ينطلق فقط من صفته كرئيس للكثلكة في العالم، لاختار في المشرق زيارة لبنان أولاً، باعتباره البلد الذي لا يزال يضم، وينتمي اليه أكبر تجمعٍ للكاثوليك في المنطقة، وتلعب كنيسته المارونية الكاثوليكية دوراً مهماً في حياة بلادها. ولو انطلق فرنسيس من صفته المسيحية العامة، لاختار مصر التي تحتضن أكبر تجمعٍ من المواطنين المسيحيين في أكبر بلدٍ عربي، لكنه، مستنداً الى تأثير الفاتيكان المعاصر، أراد لبرنامج تحركاته ان يكون أعمق في رؤاه الاستراتيجية، وفي استهدافاته المباشرة. ففي منطقة عانت طويلاً من الاحتلال والارهاب والتمزقات الطائفية والمذهبية يصبح العنوان الأفضل لوريث بطرس، التأسيس لتقارب وتفاهم وتسامح بين الأديان والناس والشعوب، على القواعد التي قامت عليها الأديان في منابتها، بما يسمح في النهاية بتكريس مبادئ الانسانية التي تحمي المسيحيين مثلما تحمي غيرهم من مواطنيهم ابناء الأديان الأخرى، وكلها في منطقتنا اديانٌ سماوية تنتسب الى جدها ابراهيم الذي سيزور البابا مسقط رأسه في أور العراق.

 

ضمن هذه الرؤية الواسعة تُفهم خريطة طريق فرنسيس العربية الاسلامية المسيحية. فبعد انتخابه الى سدة البابوية في 2013، اختار فلسطين والأردن أولى محطاته الخارجية، فهناك ارض المسيح والقديسين والسلام المفقود، وبعد ثلاث سنوات (2017) قصد مصر في نيسان، الشهر الذي شهد أكبر تفجيرين إرهابيين ضد كنيستين قبطيتين. لم يمنع الاٍرهاب اتمام الزيارة التي دعاه اليها الأزهر، ومع شيخه أحمد الطيب وضع الاساس لوثيقة الأخوة الانسانية التي ستعلن لاحقاً في الزيارة التاريخية للبابا الى دولة الإمارات في 2019. وبين القاهرة وابوظبي كانت محطة ملفتة لفرنسيس في المغرب بضيافة ملكها “امير المؤمنين” محمد السادس.

 

عشية الزيارة العراقية كان ملفتاً تأكيد شيخ الأزهر على أهميتها. أشاد احمد الطيب “بشجاعة اخي البابا” وإسهام زيارته في توطيد مناخ المحبة والسلام في العراق، مُذكراً بوثيقة ابوظبي حول الأخوة بين الأديان. وبدا ان ما أرساه الموقع الديني السني الأول في العالم (الأزهر) بالاتفاق مع الموقع الكاثوليكي الاول (الفاتيكان) باتت له جذور قوية وهو قابل للحياة أكثر من أي وقت.

 

في العراق ستحمل الزيارة كل البعد الإنساني والتاريخي، لكنها ستضيف الى العقد المسيحي الإسلامي بعده الشيعي العراقي العربي. فلقاء البابا مع الشيخ السيستاني، رمز الشيعية العربية في العراق، له معناه الخاص في ظروف العراق الراهنة، عدا عن انه سيتم في النجف أقدس مدن الشيعة في العالم.

 

ما يفعله فرنسيس هو التعارف والتقارب في ظروف تستحق المحاولة، وهو ينجح في خلق مناخات جديدة في التعامل الإنساني والبشري. وخلال زيارته الى القاهرة لمست كما شهدت على ذلك، فإسمي بات معروفاً، واعتبرني أحد ضباط الأمن على مدخل قاعة مؤتمرات الأزهر واحداً من اقرباء البابا… مع كل التسهيلات اللاحقة!