IMLebanon

عن فياسكو التحقيق في انفجار المرفأ وبلاهة ورقة إحضار رئيس الوزراء (1-2)

 

 

 

في 26 آب 2021 صــــدرت عن القاضي المكلف بوظيفة «محقق عدلي» في «إنفجــار المرفأ» ورقة احضار تكلف القوى المسلحة بإحضار رئيس مجلس الوزراء الاستاذ الدكتور حسان دياب اليه قسراً بصفة مدعى عليه من أجل استماعه واستجوابه بشأن انفجار مرفأ بيروت.

 

فتسارعت ردود الفعل السياسية على هذا الاجراء الذي تم اتخاذه في اطار تحقيق ابتدائي مشكوك في صحته. إلا انه غفل عن المحتجين ان ورقة إحضار الرئيس دياب مخالفة للقـــانون بل وبلهاء وتؤلف ذروة جديدة في فياسكو هائل ومركّب تميزت به اعمال «المحقق العدلي» الســــــابق والحالي ومن قبلـــه قــــرار مجلس الوزراء برئــــاسة الرئيس ديــــاب ذاتـــه بإحالــة «انفجار المرفأ» الى المجلس العدلي.

 

وليس هذا المقال بدفاع عن الرئيس دياب بقدر ما هو دفاع عن المواطن اللبناني الذي كثيراً ما يتعرض لامثال فيـــاسكو « التحقيق العدلي « بل لافظع منه، وإذا كان يمكن لرئيس الوزراء ان يكون ضحية لمثل هذه البلاهة ولهذا الهول فهل يمكن تصوّر ما يمكن ان يقع فيه الانسان العادي ؟

 

وفيما يلي ملخص لبعض الاعمال التي لا يمكن وصفها بأقل من كلمة فياسكو.

 

فياسكو رقم 1

 

صدر عن مجلس الوزراء في آخر جلسة له قبل تقديم استقالته قرار تحوّل الى مرسوم بإحالـــــة « انفجار المرفأ « الى المجلس العدلي. في حين ان الاحالة لا تكون الا لدعوى ناشئة عن افعال جرمية محددة وموصوفة في المادة 356 من قانون اصول المحاكمات الجزائية (فيما يلي « أ.م.ج. «) وهي الجرائم الواقعة على امن الدولة وجرائم الموظفين المرتبطة بها او المتفرعة عنها بمخالفة واجبات المهنة وإساءة استعمال السلطة وسرقة العسكريين للاموال والاعتدة.

 

ونصت المادة 355 أ.م.ج. على ان ما يحال على المجلس العدلي هو الدعوى لا الحدث. وتأكيداً لذلك جاء في الفقرة الاخيرة من المادة 356 أ.م.ج. التي تلتها:

 

«تحال الدعاوى المتعلقة بهذه الجرائم والتي هي قيد النظر امام القضائين العسكري والعادي الى المجلس العدلي الذي تشمل صلاحياته المدنيين والعسكريين على السواء انفاذاً لمرسوم الاحالة».

 

لكن، وبتاريخ قرار ومرسوم الاحالة، فإنه لم تكن هناك من دعوى قيد النظر تتعلق بإنفجار المرفأ. ولم تكن النيابة العامة الاستئنافية المختصة قد حركت الدعوى العامة. وهي لم تقم بتحريكها ابداً. فيكون مجلس الوزراء قد تلقى نصيحة خاطئة فإرتكب اول فياسكو.

 

فياسكو رقم 2

 

ان المرحلة الاولى من كل قضية جزائية هو قيام قوى الشرطة المختصة، بما فيها وحدة الادلة الجنائية، تحت اشراف وأمرة النيابة العامة المختصة، بأعمال الاستقصاء التي تتبين منها شبهة حصول فعل جرمي لا بدّ ان له فاعل. وتعرّف هذه المرحلة بإسم « التحقيق الاولي». فجاء في المادة 47 أ.م.ج.:

 

«يتولى الضباط العدليون، بوصفهم مساعدي النيابة العامة، المهام التي تكلفهم النيابة العامة فيها استقصاء الجرائم غير المشهودة وجمع المعلومات عنها والقيام بالتحريات الرامية الى كشف فاعليها والمسهمين في ارتكابها وجمع الادلة عليهم، بما يسلتزم ذلك من ضبط المواد الجرمية وإجراء كشوفات حسية على اماكن وقوع الجرائم ودراسات علمية وتقنية على ما خلفته من اثار ومعالم…».

 

فإذا سقط انسان من الطابق العاشر الى الارض وقضى نحبه فلا بدّ من التثبت اولاً ما إذا كان أصيب بسكتة قلبية أو تعرض لزلة قدم او سقوط الموضع الذي كان يقف عليه المتوفي بسبب يعود لقدم عهده او رداءة صنعه. وفي هذه الاحوال يكون هناك حادث لا فعل جرمي ولا فاعل لجريمة. اما إذا كان الضحية قد تم دفعها للسقوط او تعرضت لاطلاق نار او ضربة بألة حادة اختل معها توازنها فسقطت فيكون هناك فعل جرمي وبالتالي فاعل وجريمة.

 

أما «المحقق العدلي» فهو قاضي التحقيق ويقوم بالمرحلة الثانية من التحقيق التي تسمى: التحقيق الابتدائي، ولا يمكنه او يجوز له ان يقوم بالتحقيق الاولي ولا بالتحقيق في حادث لا يؤلف فعلاً جرمياً وبالتالي ليس بجريمة. بل ان التثبت من وجود فعل جرمي من عدمه يعود للنيابة العامة. فإذا لم يكن في الامر من فعل جرمي فلا يكون هناك من فاعل أو جريمة ولا تحرك النيابة العامة المختصة الدعوى العامة، ولا يعود هناك من دور لقاضي التحقيق او المحقق العدلي. وهذا هو الحال الحاضر. فياسكو.

 

فياسكو رقم 3

 

ومن جهتها فإن وزيرة العدل عيّنت «محققاً عدلياً» دون ان يكون في الملف ما يثبت وجود فعل جرمي او ان يصدر تقرير عن جهة رسمية مكلفة بإستقصاء واقعة انفجار المرفأ يفيد وقوع فعل جرمي والاشتباه ان امكن من ارتكبه. وهذا العمل هو فياسكو كسابقيه.

 

فياسكو رقم 4

 

بعد قيام وزيرة العدل «بتعيين» المحقق العدلي الاول ادعى النائب العام التمييزي لديه على مجهول بجريمة ما ولا يعرف ما إذا كانت من الجرائم التي نصت عليها المادة 356 أ.م.ج. بإعتبارها من الجرائم الواقعة على امن الدولة طالباً توقيف فاعلها وذلك دون وصف الفعـل الجرمي لان الفعل الجرمي كما توجب المادة 62 أ.م.ج. لم يكن معروفاً له. ولا يزال غير معروف حتى لحظة كتابة هذا المقال سواء له أو «للمحقق العدلي».

 

وفي ذلك مخالفة فاضحة للقانون! فياسكو.

 

فياسكو رقم 5

 

تمنع المادة 59 أ.م.ج. على قاضي التحقيق ان يباشر التحقيق خارج حالة الجريمة المشهودة الا بناءً على ادعاء النيابة العامة. لكن المادة 60 أ.م.ج. نصت على ما يلي:

 

«يضع قاضي التحقيق يده على الدعوى العامة بصورة موضوعية له ان يستجوب بصفة مدعى عليه كل مشتبه في ارتكابه الجريمة…».

 

ونصت المادة 362 أ.م.ج. في « باب المجلس العدلي « على ان المحقق العدلي:

 

«يضع يده على الدعوى بصورة موضوعية. إن أظهر التحقيق وجود مسهم في الجريمة فيستجوبه بصفة مدعى عليه ولو لم يرد اسمه في عداد من ادعــت عليهم النيابة العامة».

 

وهاتان المادتان 60 و362 أ.م.ج. هما اللتان استقى منهما المحقق العدلي زعماً صلاحية إصدار ورقة احضار رئيس مجلس الوزراء الاستاذ الدكتور حسان دياب لاستماعه واستجوابه بصفة مدعى عليه في انفجار المرفأ وذلك دون تحديد الفعل الجرمي والمادة في القانون التي تعاقب عليه.

 

جاء في كتاب الاستاذ الدكتور عاطف النقيب عن اصول المحاكمات الجزائية (ص 499):

 

«إن على قاضي التحقيق يضع يده على الجرم المدعى به ليحقق فيه جمعاً للادلة عليه وكشفاً لفاعليه. فإذا اهتدى الى فاعل له إستدعاء واستجوبه بصفة مدعى عليه به وان لم يكن ادعاء النيابة العامة قد تناوله قبلاً اذ ان هذا الادعاء ينصب على الفعل الجرمي فيبقى لقاضي التحقيق ان يكتشف من ارتكبه ليعتبره مدعى عليه فإن اكتشفه استجوبه…

 

(وهو) يتناول بتحقيقه فعلاً ليعطيه الوصف الذي يتناسب معه وليس جريمة معينة بوصف قانوني ثابت لا يسعه ان يحوّر فيه…».

 

وان من يقرأ « ورقة الحضور « لا يمكنه الا ان يستنتج ان المحقق العدلي « اهتدى « الى الاستاذ الدكتور الرئيس حسان دياب « واكتشف « انه من ارتكب جريمة تفجير المرفأ او أسهم في ارتكابها ولهذا فإنه كلف القوى العامة بإحضار الرئيس دياب اليه قسراً لاستماعه واستجوابه بشأنها.

 

ولا يمكن لمن يقرأ ورقة الحضور ويصدّق ما جاء فيها الا ان يتخيل الاستاذ الدكتور الرئيس دياب مقنع الوجه ومتسللاً الى حرم مرفأ بيروت تحت جنح الظلام وهو يحمل شنطة تحتوي على ادوات التفجير. فهل يعقل ؟ فياسكو.

 

فياسكو رقم 6

 

ولو افترضنا جدلاً ان كل امر مما سبق ذكره صحيح وموافق للقانون فإن مضمون « ورقة الحضور « يخالف الاحكام القانونية الصريحة الواجب التقيّد بها تحت طائلة البطلان وهي ما نصت عليه المواد 107 و147 و149 أ.م.ج.

 

فقد أوجبت المادة 107 أ.م.ج. ان تتضمن ورقة دعوة المدعى عليه ومذكرة احضاره الصادرتين عن قاضي التحقيق:

 

– بياناً بتاريخ صدورها.

 

– بياناً بهوية المدعى عليه.

 

– وصف الجريمة المسندة اليه.

 

– المادة القانونية المنطبقة عليها.

 

كما اوجبت ابلاغ مذكرة الاحضار الى المدعى عليه.

 

أما المادة 147 أ.م.ج. وما يليها فقد تضمنت اصول تبليغ اوراق الدعوة من المذكرات والاحكـام والقرارات الصادرة عن القضاء بمن فيه قاضي التحقيق. فأوجبت إصدار وثيقة تبليغ يذكر فيها:

 

– إسم طالب التبليغ ومأمور التبليغ.

 

– اسم المطلوب تبليغه وعنوانه.

 

– الفعل الجرمي موضوع الملاحقة او التحقيق او المحاكمة.

 

– النص القانوني الذي يعاقب عليه.

 

– صفة المطلوب تبليغه (مدعٍ، مدعى عليه، شاهد، إلخ…).

 

وجاء في المادة 149 أ.م.ج. ان على المرجع القضائي، في حال عدم مراعاة اجراء التبليغ، إعلان بطلان التبليغ.

ad

 

ولكن، وبالاطلاع البسيط على «ورقة الاحضار « يتبين انها فياسكو لأنها لا تراعي ابداً احكام المواد 107 و147 و149 أ.م.ج. وأهمها إيجاب ان تتضمن:- وصف الجريمة المسندة الى المدعى عليه، وهو الاستاذ الدكتور الرئيس حسان دياب.

 

– النص القانوني الذي تعاقب عليها.

 

فياسكو.