IMLebanon

تحقيقات المرفأ ومسارات الخطر

تغيير قواعد الاشتباك أم الانخراط بـ«حرب دموية» جديدة!

 

 

بصرف النظر عن المصالح الجيوبوليتيكية والإيكنوموسياسية لدول الحوض الغربي للبحر الابيض المتوسط، لا سيما الدول الاستعمارية العريقة، والامبراطورية، من المملكة التي لا تغيب عنها الشمس، الى امبراطورية ملوك فرنسا، من شارلمان الى لويس الرابع عشر، وصولاً الى الجمهورية ونظامها العلماني، مروراً بدولة القياصرة روسيا، والامبراطورية البروسية – الالمانية، من دون نسيان الامبراطورية العثمانية، التي ارتدت جلباب الاسلام الحديث، او التركي، بعدما خلعت ثوب الطورانية، التي أوصلت كمال اتاتورك الى بناء جمهورية تركيا المعاصرة، التي اعتبرت مأساة بيروت، او نكبتها الحالية، تعنيها مباشرة، فان الثابت، وفقاً للمعلومات ومجريات الأمور على الأرض ان «الطبقة السياسية» اللبنانية الآثمة، وضعت في الزاوية، في مشهد لا تحسد عليه، وزادها عزلة تطور حجم الغضب الشعبي، الذي اقترب من التحول الى «ثورة» بكل معنى الكلمة، للخلاص من سلطة رموز الميليشيات الطائفية، التي تربعت على عرش المصير اللبناني، منذ الطائف، فكادت ان تذهب بكل مقومات الحياة، وانبرت تفتك بمصالح البشر، سكان هذه الأرض واصحابها، في حياتهم، ومالهم، وفرص العمل، وفرص المستقبل.

لم يجد الرئيس الفرنسي الشاب، والطموح، غضاضة من اتهام الطبقة السياسية الحاكمة (الحالية ومن سبقها) بالفساد، وقال وهو يصافح الجماهير الغاضبة في شارع الجميزة، وشارع مار مخايل، بموازاة مرفأ بيروت ان المساعدات لن تمر عبر منافذ الدولة الرسمية وأجهزتها، بل عبر مؤسسات وجمعيات، تثق بها الجهات المساعدة او الجهات المانحة.

كان ثمة شهادة دولية بالغة النصاعة من ان السلطة الحاكمة هي خائنة للوكالة، التي كلفها بها الشعب اللبناني، الذي انتخبها، فهي خانت الامن عندما اوصلت البلد الى الافلاس، وسمحت بحجز اموال المودعين، وفرضت أسوأ نظام أدى التى التضخم والكساد، وخسارة فرص العمل، وما شاكل.

فمنذ 17 (ت1) 2019، تاريخ الانتفاضة المجيدة للبنانيين، بوجه تهور الطبقة الحاكمة، والاعتداء حتى على هواء اللبناني، بعد طعامه ومياهه، جاءت ازمة كورونا، والتي كشفت الهريان في بنية الدولة ومؤسساتها، وصولاً الى انفجار العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، الذي كاد ان يدمر بالكامل، بعد سقوط ما لا يقل عن 165 شهيدا واكثر من 6000 جريح، و41 مفقوداً، بعد الدمار، الذي اصاب المساكن والمتاجر والمطاعم والمسارح والمسابح والمقاهي، وكل اشكال الحياة الممكنة، وحتى المداخيل الاقتصادية الوافدة من الفنادق والسياحة والمطاعم، وسائر الخدمات المتعلقة بالدور الذي كان يلعبه لبنان على هذا الصعيد.

وبمعزل عن مجرى التحقيق والتوقيفات الجارية في الانفجار المروع الثلاثاء الماضي (4 آب) في مرفأ بيروت، والناجم عن احتراق 2750 طناً من المواد الكيماوية، التي كانت تستخدم في الصناعات، ومخزنة لمدة ست سنوات في المرفأ من دون إجراءات السلامة، مما تسبب في مقتل اكثر من 150 شخصاً، واصابة الآلاف وتشريد نحو ربع مليون شخص (من تقرير لرويترز)، فان هذا الانفجار، وضع مصير الطبقة السياسية امام امتحان عسير: التهمة الشاملة بالقتل، خيانة الامانة، العبث بمصالح الناس، تهديد امنهم واستقرارهم، عدم الثقة بأنها قادرة على القيام بأي دور لصالح الخير العام، والمجتمع، ما خلا المصالح الشخصية والفئوية، والخاصة.

وإذا كان استخلاص العبر من اجراءات السلامة، في ما يتعلق بهكذا نوع من المتفجرات او نترات الامونيوم وتكنولوجيا الاسمدة، لجهة الاستفادة من اجراءات الدول، فألمانيا لا تسمح بتخزين سوى 25 طناً من نترات الامونيوم في مكان واحد، وشددت فرنسا قواعدها التنظيمية في 2001 بعد انفجار في تولوز تسبب في مقتل 31 شخصاً وكذلك الحال في تكساس الاميركية، حيث قتل 567 شخصاً على الأقل عام 1947، عندما تسبب حريق في انفجار 2300 طن من نترات الامونيوم على متن سفينة في ميناء المدينة الأميركية.

وفي الوقت الذي تسير فيه التحقيقات وعمليات رفع الانقاض، وانتشال المفقودين، والجثث في ما خص تداعيات الانفجار الكبير، فإن اجراءات السلامة، حسب الخبراء، تتعلق بالكمية، والتهوية، والقرب من المواد المشعة، ومدى القرب من المراكز التي تكتظ بالسكان، فإن مؤشرات الغضب الشعبي ماضية الى مداها الاخير، بعدما أضافت السلطات الحاكمة الى رصيدها الافلاسي، التغاضي او السكوت عن تخزين كميات ضخمة من المادة الكيماوية قرب مناطق واحياء سكنية في ظروف غير آمنة، من اجل الانتفاع بكميات كبيرة او صغيرة من الدولارات.

بسرعة قياسية، تمضي الاوضاع اللبنانية، كاسرة قواعد «الستاتيكو» او المسار المحكوم بحسابات التوازنات، والمصالح المجتمعية والطبقية، وسوى ذلك من تصنيفات على صلة، بهذا المستوى من النظر الى المجريات، تمضي نحو تحولات كبرى:

1- مصير الوضع السياسي، بكتله، ونوابه، ووزرائه، وتشكيلاته الطائفية.

2- مصير الطبقة المالية، الهجينة، والخارجة عن كل فهم موضوعي، لنشأتها ودورها، وكيفية عملها.

3- مصير سلاح حزب الله، من زاوية ليس دوره الاقليمي، او انخراط الحزب بالصراعات الجارية في المناطق الساخنة في اقليم الشرق الاوسط، بل من زاوية تأثيره على بقاء او انهيار الطبقة السياسية الفاسدة.

ليس حدثاً عابراً ان ترفع شعارات معادية لحزب الله وسلاحه، وقيادته وامينه العام في شوارع الغضب امس، بل هي تدل على ان هذه الملفات جزء لا يتجزأ من معالجة اوسع لملف اشمل، يتعلق بمصير لبنان، الدولة والكيان، على بعد ثلاثة اسابيع من الاحتفال بالمئوية الاولى، على ولادة لبنان الكبير.

في لعبة البحث عن استبيان لكيفية تعبير المصائر المشار اليها عن مساراتها، تحاول «طبقة السوء» اللبنانية (اللبنانية) والقابضة على المقدرات العامة للشعب اللبناني، ان تساهم باجراءات تحمي نفسها، بها، من زاوية ان مصير هؤلاء القوم، وضع على الطاولة بقوة القرار الشعبي، وقوة القرار الاقليمي، وصولاً الى القرار الدولي.

كيف ستسير الامور؟

من الصعب الجزم بمسارات قاطعة، لكن الثابت ان مسار التغيير في وضعية لبنان، والستاتيكو الذي حكمه في السنوات الماضية، او العقد الاخير ماض في طريق وعده نحو بناء وضعية جديدة.

المشهد الان، وفي اجواء قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الثلاثاء المقبل في 18 الجاري (اذا لم يحدث تعديل جديد في الموعد) شبيه بالمرحلة التي سبقت، ثم تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري: شعارات يختلط فيها المحلي بالاقليمي والدولي… مع شعارات الحقوق، من الماء الى الكهرباء والطعام والنقد والامن المرفوعة بحراكات الاحتجاج، يختلط المحلي بالاقليمي والدولي… فشعارات «طهران اطلعي برا» تدل ايضاً على مسار محفوف بالخطر: انه الصراع الدولي – الاقليمي على ارض لبنان. فماذا في الافق: انخراط في تسوية اكبر، ام حرب من نوع دموي، ام سحب البلد من خضم الأزمات الحارقة؟!.