IMLebanon

سؤال غلط.. سؤال صح

رغم مرور الوقت على انتهاء الهندسات المالية التي نفذها مصرف لبنان، والتي تأكدت جدواها المالية والاقتصادية لجهة زيادة حجم الاحتياطي من العملات في المركزي، وتحسُّن صورة البلد في الخارج، ولدى مؤسسات التصنيف العالمية، الا ان النقاشات لا تزال تتناول هذه الهندسات مديحاً، أو انتقاداً.

لا تكمن المشكلة في مناقشة وتقييم الهندسات المالية التي اعتمدها مصرف لبنان أخيراً، بل أن السؤال الاول الذي ينبغي أن يُطرح، وأن تتم الاجابة عليه هو التالي: ماذا يعني أن يلجأ مصرف لبنان الى هندسات لجذب الاموال، ولو بكلفة مرتفعة؟

في الاجابة على هذا السؤال تكمن المعضلة التي ينبغي التركيز عليها، بدلاً من البحث والتمحيص في هوية من استفاد من العروضات التي توفرت نتيجة الهندسات التي اضطر مصرف لبنان الى اعتمادها، ولم يكن مُخيّراً.

وسواء استغلت المصارف الفرصة ام لا، وسواء شملت لائحة الاثرياء الذين استغلوا الفرصة أيضا، خمسة او عشرة اسماء أو أكثر، فان بيت القصيد في مكان آخر. انه في الوضع المالي الدقيق الذي وصل اليه البلد، وقرأه حاكم مصرف لبنان بامعان قبل أن يقرّر خوض غمار الهندسات المالية التي تعتبر بمثابة أفضل الشرور.

ربما يكون السؤال الذي ينبغي طرحه هو التالي: الى متى يدوم مفعول هذه الهندسات المالية، وما هي الخطوة التالية عندما سيحتاج البلد الى اموال اضافية؟

في محاولة الاجابة على السؤال سوف يتبين ان احتياطي النقد الاجنبي تراجع نتيجة انحسار حجم التحويلات الى لبنان من الخارج. هذا الانحسار مرشّح ان يتفاقم في المرحلة المقبلة استنادا الى وقائع ترتبط اولا بالسوق الخليجية النفطية، وتتعلق ثانيا بالوضع الداخلي الشاذ في لبنان.

وخلال الاجابة على السؤال أيضا، يمكن الاستنتاج بأن القيام بهندسات مالية جديدة على غرار المرة الاولى قد يكون صعباً، وقد لا يتمّ العثور على زبائن مستعدين لجلب المزيد من الاموال الى الداخل اللبناني، ولو ان الارباح مغرية، كما كانت في المرة الاولى.

وبالتالي ستكون الاحتمالات هي التالية:

اولا – طرح هندسات جديدة تتجاوز الاغراءات التي جرى تقديمها في المرة الاولى، أي ان الكلفة على المركزي قد ترتفع اكثر، وقد تتضاعف، وهذا أمر غير مرغوب، وقد يؤدي الى مضاعفات مُقلقة.

ثانيا- عدم العثور على زبائن يشاركون في الهندسات الجديدة ولو باغراءات مرتفعة انطلاقا من تراجع الثقة بالوضع العام، وخوفا من انهيار الدولة وفقدان الرساميل.

ثالثا – ترك الامور تأخذ مسارها الانحداري، وحث الدولة لاحقا على البحث عن مصادر تمويل في الاسواق الخارجية بكلفة مرتفعة.

رابعا- البحث عن حلول مؤقتة قد تبدو كلفتها اقل من الافلاس، من خلال ترك سعر الليرة يتحرك صعودا بما يؤدي الى خفض حجم الدين العام بالليرة، لكنه ينعكس كوارث اجتماعية على الناس.

كل هذه الاحتمالات لا تبشّر بالخير، خصوصا ان اي تخلّف عن الدفع من قبل الدولة اللبنانية سوف يعتبر بمثابة إشهار افلاس، وسيؤدي الى انهيارات سريعة في كل القطاعات. والاخطر ان ديون لبنان داخلية، تحملها المصارف، بما يعني عمليا ان الشعب اللبناني بمدخراته التي يتم استخدامها من قبل البنوك، هو من يُقرض الدولة.

وسيؤدي هذا الواقع بطبيعة الحال الى اقتطاع نسبة كبيرة من الودائع، لتخفيف الاضرار. هذا الاجراء ليس غريبا، بل شبه محتوم، وهو اجراء لجأت اليه قبرص في العام 2013 عندما واجهت أزمتها المالية الطارئة. وبالتالي، سيتم حسم نسبة مرتفعة من الودائع وتحويلها الى اسهم مصرفية في احسن الاحوال. وسيخسر المودع اللبناني بذلك نسبة مرتفعة من مدخراته.

وللتذكير، اقترحت السلطات القبرصية لدى مواجهة أزمتها المالية اقتطاع نسبة 40 في المئة من الودائع المصرفية في اطار الخطة الانقاذية التي وضعتها. هذا السيناريو المقلق لن يحصل غدا، لكنه سيناريو واقعي وليس من باب التهويل او المبالغة.

المسار الذي تأخذه الأزمة حالياً، وبالتزامن مع ما يجري في المنطقة، يقود الى القعر، ولا مجال لتجميل هذا الواقع من خلال الاستعانة بمفردات فارغة على غرار الاعجوبة اللبنانية، او لبنان عصي على الانهيار، او لبنان مَحمي، أو ممنوع ان ينهض لكن ممنوع أيضا أن ينهار. ما يجري على المستوى المالي لا يدل على ان لائحة الممنوعات ستحتضن لوقت طويل عبارة الافلاس.