IMLebanon

المطلوب من مصر السيسي  خليجياً وليبياً وفلسطينياً  

عملاً بالرؤية المصرية العائدة بعد غياب، أو فلنقل بعد تغييب نتيجة إجتهادات غير واقعية من جانب الرئيس (الراحل) أنور السادات حاول الرئيس الخلَف حسني مبارك نزيل السجن والمستشفى للسنة الثالثة على التوالي تخفيف وطأتها على الوجدان الوطني القومي، فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي يضع أمامه خارطة الأمن القومي المصري يتأمل فيها ويمعن التأمل في الثغرات التي إذا كان لن يطوي تأثيرها فإن الإستقرار لن يأخذ طريقه إلى المحروسة مصر.

في المئة يوم الأولى رمم  الرئيس السيسي ما في إستطاعته ترميمه على صعيد العلاقات مع المجتمع الدولي بدءاً بروسيا ثم الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي وها هو في إطلالته على الفاتيكان (ضمن أُولى زيارته الأوروبية التي تشمل: فرنسا بعد ايطاليا) يُؤكّد لرئيس الكنيسة الكاثوليكية أن مصر التنوع والحوار والإنفتاح على الآخر ماضية على النهج الذي يحقق لحضورها العربي والدولي ما يليق بها وما هو مطلوب منها، وعلى هذا الأساس فإن المئة يوم الثانية ستكون، في ضوء متابعتنا للتحرك السياسي المصري، من أجل توظيف نتائج الترميم وخوض غمار الواجبات الملقاة على مصر التي يكتمل رونق حضورها يوماً بعد آخر، ومن دون أن يثني عزمها إجرام العابثين بالأمن الذين يستهدفون الجيش الذي يحمي الوطن والشعب، وجهاز الشرطة الذي إختلف أسلوب تعامله عمّا كان عليه في فترات مضت وبات شعار «الشرطة في خدمة الشعب» حقيقة ملموسة.

هذه الصورة البهية لمصر ما كانت لتكتمل من دون التعاطف الذي أبداه الملك عبد الله بن عبد العزيز بعدما لمس الجوهر الصافي النوايا للعهد المصري الذي يحمل رايته الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي ليس فقط ينطق إمتناناً بهذا التعاطف وإنما يُجسّد رؤية خادم الحرميْن الشريفيْن كما يتمنى ثباتها في العالم العربي. وهو عندما يسمع بيان المصالحة الخليجية التي إنتهت إلى إستعادة قطر على نحو الصياغة المتأنية لهذا البيان، ثم يسمع البيان الذي أصدره الملك عبد الله بعد ذلك وفيه التأكيد على وقوف دول الخليج، بمن فيها قطر ما دام الإتفاق قد حصل، إلى جانب «جمهورية مصر العربية الشقيقة إرتباطاً بالدور الذي تقوم به، ومن هذا المنطلق فإنني أناشد مصر شعباً وقيادة للسعي معنا في إنجاح هذه الخطوة في مسيرة التضامن العربي…»، فإنه كما بات في تعامله مع الملك عبد الله بن عبد العزيز ومع الذين يريدون خيراً لمصر ودوراً قومياً لها، يرد على التحية بمثلها، ولا بدّ إستوقفه كيف أن خادم الحرميْن الشريفيْن وضع مسألة أمن مصر وسلامتها من الذين ينشطون لإلحاق الأذى بعهدها الجديد، في الكفة نفسها التي فيها مسألة النيْل من كبرياء المملكة وسلامة دورها، أي بمعنى آخر إن رضى الملك عبد الله مرتبط برضى الرئيس السيسي. ولأنه كذلك ومن دون الحاجة إلى الإنتظار فإن الرد على التحية الطيبة بمثلها جاء على وجه السرعة. وهكذا تكون المصالحة الخليجية – الخليجية إنتهت خليجية – مصرية ما دام الجرح المعنوي وجد العلاج وتحت خيمة الأمان التي سادت أجواء لقاء القادة في قصر الملك. وهو لقاء كان يمكن أن يشمل الرئيس السيسي لو أن مستضيف القمة الملك عبد الله بن عبد العزيز وجَّه إليه الدعوة، وربما ترك ذلك إلى مناسبة أخرى بمعنى أن يقوم الشيخ تميم بن حمد أمير دولة قطر بزيارة إلى القاهرة وتكون زيارة دعوة الرئيس السيسي إلى حضور القمة وكما لو أن مصر العضو السابع في مجلس التعاون، وهو حضور منطقي أكثر بكثير من ذلك الحضور للرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد القمة الخليجية في الدوحة (الإثنين 3 كانون الأول 2007) والحضور الآخر للرئيس رجب طيب أردوغان القمة الخليجية  في الرياض (الثلاثاء 19 كانون الأول 2010). ونشير هنا إلى فقرة من ردّ الرئيس السيسي على مناشدة الملك عبد الله له تعكس جوهر المشاعر لدى القائديْن الصديقيْن الحليفيْن. والفقرة هي: «إن مصر تعرب عن ثقتها الكاملة في حكمة الرأي وصواب الرؤية لخادم الحرميْن الشريفيْن وتثمِّن غالياً جهوده الدؤوبة والمقدَّرة التي يبذلها لصالح الأمتين العربية والإسلامية ومواقفه الداعمة والمشرِّفة إزاء مصر وشعبها، وتُجدد مصر عهدها بأنها كانت وستظل بيت العرب وأنها لا تتوانى عن دعْم ومساندة أشقائها وتؤكد على تجاوبها الكامل مع هذه الدعوة الصادقة…». ويلفت الإنتباه هنا أن الملك عبد الله إستعمل في البيان الذي أصدره كلمة «أناشد» وليس «نطلب» والفرق كبير بين المناشدة والطلب وإن كان الغرض واحداً. كما أن الرئيس السيسي من جانبه ردّ على بيان الملك عبد الله ببيان أصدرتْه الرئاسة المصرية وليس مثلاً ببرقية أو بإتصال هاتفي، وهذا فِعْْل تكريم وتقدير يترك أطيب الأثر في نفس المرسَل إليه.

هذه المشاعر والمفردات التي أوردْنا أحدثها والمتعلقة بالمصالحة الخليجية التي كانت مصر جزءاً منها، تؤكد الحقيقة الأساسية في شأن مقولة «أمن مصر من أمن العرب». وها هي مصر تواصل التشاور في شأن مساعدة ليبيا على الإنتقال من الصراع الدموي الذي تعيشه على مدار الساعة ويهدد كيانها بالتفكك في الحد الأقصى والتدخل الدولي في الحد الأدنى إلى درجة الوصاية كما إحتمال حدوث ذلك بالنسبة إلى دولة جنوب السودان، ونرى الرئيس السيسي تدارُكاً من المحروسة للمصير الليبي وأيضاً للوضع الفلسطيني المرشح لإنفجار وربما إنتفاضة دينية – وطنية، يسجل في ضوء قمّة المصالحة في الرياض وعشية لقائه البابا بنيديكتوس في الفاتيكان موقفيْن لافتيْن من مصلحة المجتمع الدولي والقادة العرب والمسلمين التأمل فيهما جيداً. بالنسبة إلى ليبيا قال: «في ليبيا تعم الفوضى ويتم إنشاء قواعد جهادية بالغة الخطورة، لذا على الأسرة الدولية القيام بخيار واضح جداً وجماعي لمصلحة جيش وطني ليبي وليس لأي طرف آخر ويجب أن تصل المساعدات والتجهيزات إلى الجيش الليبي وكذلك الخطوات المتعلقة بالتدريب…» وكأنما الرئيس السيسي بذلك إما يمهد لتدخل سيجد نفسه مضطراً للقيام به إستباقاً لإحتمال أن تكون ليبيا نقطة الإنطلاق الهجومي من جانب «الإخوان» على مصر بعدما إنحصر وجودهم المكثّف في ليبيا، وإما شريكاً في عملية دولية كتلك التي تتم ضد «داعش» في سوريا والعراق لكن مصر لا تحبذ ذلك. أما الموقف الثاني المتعلق بفلسطين فعبَّر عنه بالقول: «نحن مستعدون لإرسال قوات عسكرية إلى داخل دولة فلسطينية. سنساعد الشرطة المحلية وسنطمئن الإسرائيليين بشأن دورنا الضامن. ليس إلى الأبد بالتأكيد وإنما للوقت اللازم لإعادة الثقة. ويجب أن تكون هناك دولة فلسطينية أولاً لإرسال قوات إليها، وإعادة الثقة تحتاج إلى الوقت. ألم يحدث هذا مع إسرائيل بعدما إختارت السلام (إتفاقية كامب ديفيد عام 1979 التي أبرمها الرئيس السادات مع رئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن برعاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر). ولقد تحدثتُ مطولاً مع رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو وكذلك مع الرئيس محمود عباس في أمر إرسال قوات إلى الدولة الفلسطينية…».

إنها مجرّد تلميحات إلى دور تبدو مصر على موعد معه. فالتدخل في ليبيا يُبقي الدولة العربية المسلمة الجارة في مأمن من وضْع اليد الدولية عليها. وإرسال قوات إلى دولة فلسطين معناه أنه إذا كانت إسرائيل تخشى من أن يصبح «جيش فلسطين» في حال قيام الدولة عبارة عن مجموعة ميليشيات كما الحال على سبيل المثال لا الحصر في سوريا والعراق وليبيا وهذا يُشكّل في نظر إسرائيل خطراً أمنياً عليها، فإن الرئيس السيسي بما قاله يُؤكّد أن وجود قوات مصرية في دولة فلسطين كفيل بضبط الأمور وبالتالي تبديد الهواجس. وهو بفكرته هذه سيضع الأمر على طاولة التحادث مع البابا بنيديكتوس وكأنما يريد التمني عليه التبشير بالفكرة وكذلك القول ما معناه إن القوات المصرية في دولة فلسطين ستكون بمثابة العين الساهرة على المقدسات الإسلامية والمسيحية لا تمييز في اليقظة بين الحرم الثالث المسجد الأقصى وكنيسة المهد.

ونختم بالتساؤل: لماذا يقول الرئيس السيسي هذا الكلام حول ليبيا وفلسطين؟ ولماذا هذا التناغم مع الموقف الخليجي ومناشدة الملك عبد الله بن عبد العزيز له طي صفحة الحذر والعتب من إساءات لحقت بمصر؟.

وجوابنا: ما دام أمن مصر من أمن العرب فإن ما يقوله الرئيس السيسي سيفعله مضطراً… أو إذا طُلب منه. والأرجح أنهم سيطلبون منه ذلك.

والله أعلم.