IMLebanon

فرصة القمّتيْن على المسرح الدولي

 

هل تكرّس فقرات قرار القمة العربية الإسلامية المشتركة التي انعقدت أول من أمس في الرياض حالة الصراع بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب على الصعيد الدولي، أم أن الاختلافات الجوهرية التي ظهرت بفعل الحرب الإسرائيلية على غزة مجرد محطة موقتة يمكن أن تمر من دون أن تترك أثرها على علاقات الدول؟

جرت العادة أن يملي الغرب مفاهيمه، وأن يتبعها العالم الآخر فتكون معياراً لقياس الأحداث والموقف منها، سياسياً وأخلاقياً وقانونياً.

هناك العديد من العوامل التي تتيح الاعتقاد بأنّ البعد الدولي للحرب على غزة والجانب المتعلق بالمفاهيم والمبادئ، سيخلّف انقساماً لا بد من أن تتأثر به علاقات دول درجت العادة على أن تكون متحالفة، أو تتشارك في أهداف استراتيجية تنسحب على العديد من القضايا الدولية.

قرار القمة العربية الإسلامية التي تضم 57 دولة يعني اتفاق دولٍ وازنة سواء بأدوارها على المسرح الدولي أو بتأثيرها الإقليمي في آسيا وأفريقيا، أو في عدد سكانها، على رفض منطق وسردية الدول الغربية في التعاطي مع الحرب على غزة. فليس تفصيلاً أن تشترك دول مثل أندونيسيا وتركيا ونيجيريا وإيران في الانضمام إلى وجهة النظر العربية في التعاطي مع قضية مركزية مثل القضية الفلسطينية كالآتي:

– رفضت الأخذ بمبدأ «حق إسرائيل في الدفاع عن النفس»، الذي اشترطته الدول الأوروبية وأميركا في قمة السلام في مصر، ما حال دون صدور بيان في ختامها، وما أحبط صدور قرار عن مجلس الأمن أكثر من مرة. وهي ما زالت تصر على هذا المبدأ، حتى في معرض انتقادها لاستهداف إسرائيل المدنيين في غزة.

– لم تأخذ القمة بشرط الغرب إدانة عملية «حماس» في 7 تشرين الأول الماضي باعتبارها عملية إرهابية، وبأنّ الحركة إرهابية، لم يأتِ قرارها على ذكر «حماس». على العكس طلبت القمة المزدوجة «من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بدء تحقيق فوري في جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانيّة التي ترتكبها إسرائيل ضدّ الشعب الفلسطيني في كلّ الأراضي الفلسطينية المحتلة»، إضافة إلى اتخاذ خطوات قانونية متواصلة في هذا الصدد.

– نص القرار في الفقرة 27، على أنّ «عدم إيجاد حل للقضية الفلسطينية على مدار ما يزيد عن 75 عاماً، وعدم التصدي لجرائم الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي… ورفض الاستماع إلى التحذيرات المتواصلة من خطورة تجاهل هذه الجرائم… هو الذي أدى إلى تدهور الوضع بصورة خطيرة»، يعني معاكسة كافة التبريرات التي تقدمها دول الغرب دفاعاً عن الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد غزة والمدنيين فيها، بحجة أنّ «حماس» تسببت بهذه الحرب، كأن ما سبقها يجب أن يُمحى من التارخ والذاكرة. بهذه الفقرة تحمّل القمة المشتركة دول الغرب بالتالي المسؤولية عن ردة فعل «حماس» في 7 تشرين الأول إزاء جرائم الدولة العبرية السابقة على هذا التاريخ.

بالإضافة إلى الجوانب السياسية من قرار القمتين، المعروفة على الصعيد الدولي، والمتعلقة بالحل الجذري للقضية الفلسطينية على أساس الدولتين وقرارات الشرعية الدولية، ووقف الاستيطان، يؤسس القرار لإمكان عمل مشترك على الصعيد الدولي يكمن التحدي على الدول الفاعلة العربية والإسلامية في كيفية متابعة النهج الذي رسمه. فهذه الجوانب السياسية سبق لدول الغرب أن أقرت بها بعد جولات من الحروب والدماء والمجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين وبحق العرب، بتغطية الغرب نفسه، لكن تنفيذها خضع لازدواجية المعايير عند هذه الدول نفسها.

في عالم متغيّر بفعل المصالح الجيوسياسية، يرسم القرار خريطة طريق سلمية، إذ ليس منتظراً أن تنصر الدول الـ57 غزة بالحرب والأساطيل، مقابل الأساطيل الأميركية التي تجوب بحار المنطقة. جوهر القرار سلمي وليس عسكرياً، وهدفه وقف الحرب التي يبشر القادة الإسرائيليون بأنها طويلة وقد تمتد أكثر من سنة.

بعد صدور هذا القرار لن توقف إسرائيل حرب الإبادة التي تخوضها على غزة والضفة الغربية والقدس، وستواصل ارتكاب المجازر وتضرب بعرض الحائط ما تمثله الدول الإسلامية والعربية. لكن هناك اختباراً لمدى قدرة هذه الدول على أن تؤسس لتكتل دولي في وجه دولة الأبارتايد الوحيدة في العالم. فالوظيفة الدنيا لجمع القوتين العربية والإسلامية هي تصعيد الضغط الدولي لوقف قلب الحقائق واتهام الضحية بأنها ترتكب المعاصي، وتبرئة الدولة التي ترتكب المجازر.