IMLebanon

روسيا وتركيا، ما بعد بعد إدلب

 

لا يختلف اثنان انّ كل ما يجمع روسيا وتركيا كقوتين فاعلتين في المسرح السوري لا يتعدى ربط النزاع ومحاولة ترتيب العلاقات وفق ما تقتضيه المصالح في المدى المنظور، وبالتالي فإنّ مستجدات الميدان تفرض نفسها بقوة على طاولات السياسة بين الحين والآخر.

تشهد العلاقات بين موسكو وأنقرة فتوراً واضحاً منذ ان ارتفعت حدة المعارك في ادلب ومحيطها، وتحديداً بعد سيطرة الجيش السوري على مدينة سراقب احد أهم معاقل المعارضة السورية المدعومة من تركيا مطلع الشهر الجاري.

 

وفق المعلومات المتوافرة فإنّ الترويج لحملة عدائية ضد روسيا بدأ داخل البيت من خلال وسائل إعلام مدعومة بجيوش ناشطين على خطوط وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يعيد الى الاذهان حالة الاحتقان التي سادت بين الطرفين عقب إسقاط أنقرة طائرة حربية روسية في تشرين الثاني 2015.

 

وقد استدعى توجيه السهام الاعلامية من أنقرة ضد موسكو استنفار الديبلوماسية الروسية، وتحديداً تحرّك سفيرها في تركيا حيث رفع الرجل سلسلة تقارير متتالية خلال الاسبوع الماضي تفيد بوجود محاولات مدروسة، ليس فقط لتقليب الرأي العام في البلاد ضد السياسة الروسية فحسب، بل تصل الى حد تهديد البعثة الديبلوماسية والمواطنين الروس الذين يشكلون عصباً رئيساً لقطاع السياحة والتجارة في تركيا. فهل من إجراءات يمكن اتخاذها لخفض حدة التوتر بين البلدين والعودة الى الالتزام ببنود اتفاق 2018 الذي رسم خريطة مواقع التواجد العسكري بين تركيا وروسيا وإيران؟

 

مصادر ديبلوماسية روسية تكشف انّ كازخستان فتحت قنوات التواصل مع موسكو خلال الايام الماضية في محاولة لاحتواء الأوضاع وتفادي حصول مواجهة مباشرة بين تركيا وروسيا، بعدما نجحت سابقاً في نزع فتيل الانفجار عقب حادثة إسقاط الطائرة الروسية منذ اكثر من أربع سنوات، وقد تمكنت حتى الآن من إقناع الطرفين بضرورة التواصل المباشر من خلال وفد رسمي سيزور موسكو اليوم (الاثنين)، ولا تستبعد المصادر إيجاد مخرج يهدأ الجبهات السياسية قبل الشروع في إيجاد صيغة لترتيب الوضع الميداني بما يحفظ ماء الوجه لكلا الطرفين، خصوصاً انّ هناك رغبة واضحة لدى الرئيسين اردوغان وبوتين في مواصلة التنسيق السياسي حفاظاً على العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، على اعتبار انّ الزعيمين يدركان انّ أي خلاف بينهما سينعكس ايجاباً في خانة النفوذ الاميركي.

 

وتؤكد مصادر دبلوماسية روسية انّ “الامور لم تصل الى الخطوط الحمر بعد، وانّ موسكو تبقي أبوابها مفتوحة امام كل الخيارات للدفع في اتجاه الحل السياسي في مناطق الشمال السوري نظراً لانعكاساتها الايجابية على تسوية الازمة السورية بالطرق السياسية، لكنّ ذلك لا يعني تراجع القوات الروسية عن دورها المحدّد في مساندة الجيش السوري في القضاء على بؤر الارهاب والحفاظ على وحدة الاراضي السورية بكل مكوناتها العرقية”.

 

وعلى الرغم من أجواء التهدئة التي تطغى على الموقف الروسي حيال مستجدات الشمال السوري، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه في مسار العلاقات بين أنقرة وموسكو هو: ماذا بعد أدلب؟

 

إنطلاقاً من التجارب السابقة، فإنّ أنقرة وموسكو تبحثان حالياً عن لغة مشتركة وتفاهمات حول تحديد إيقاع الحدث في الشمال السوري، لكن ذلك لا يعني التقاء المسارات بينهما، لاسيما انّ الطرفين يسيران بأجندات مختلفة تتقاطع في بعض تفاصيلها لكنّ أهدافها تقع على طرفي نقيض، مما يعني انّ تخطّي العقد والعقبات الحالية خلال الأيام المقبلة لن يلغي التصادم بينهما ما بعد بعد أدلب.