IMLebanon

الرئيس صائب سلام ونادي الرؤساء

 

مع بدايةِ عهد الرئيس أمين الجميل، وقـدْ استلم الحكمَ والأرضُ مدجَّجةٌ بالسلاح الشرعي وغير الشرعي: ميليشيات محلّية، فصائل فلسطينية، قوات ردع عربية، أشباحُ مخابراتٍ دولية… فاستقرَّ الرأي على أن يكون رئيس الحكومة رجلاً يُحسنُ التعاطي مع جعـجعةِ الأرض، فوقع الإختيار على اللواء أحمد الحاج الذي كان مديراً لقوى الأمن الداخلي.

 

وكُلِّـفْتُ أنا، أنْ أتفاوض مع اللواء الحاج، بما يجمع بيننا من علاقة شخصية وجِـوارِ البلدتين في إقليم الخروب، فكانَ لقـاءٌ واتفاق، وراح القصر يُعِـدُّ مرسوم التعييـن حيث كان رئيس الجمهورية قبل دستور الطائف، هو الذي يعيّن الوزراء ويختار منهم رئيساً.

 

يومـها… وردَ خبـرٌ في إحدى وكالات الأنباء، يطرح تساؤلاً عمّا إذا كانت زيارتي اللواء الحاج تهدف إلى تعييـنه رئيساً للحكومة.

 

لـمْ تمضِ ساعات حتى وردتْني مكالمةٌ من الرئيس الجميل يبلِـغني فيها بأنّ الرئيس صائب سلام تفاجأ بالخبر الوارد في وكالة الأنباء، وأنه سيقود حملة معارضة إذا كان هذا الخبر صحيحاً.

 

وبدوري، إتصلت بالرئيس سلام مستوضحاً سبب هذا الإعتراض، مبرِّراً الأسباب الوجيهة التي تحتـمّ تعيين اللواء الحاج.. فكان الجواب: «يا أخي إن في الأمر انتهاكاً لمعايـير رئاسة الحكومة»…

 

ولأن الرئيس صائب سلام من أكابر الزعماء الوطنيين وكان يحظى بتقدير واحترام جليلَيْنِ لدى الرئيس الجميل، صُرِفَ النظر عن هذا التعيين، وكان البديل الرئيس شفيق الوزان، إبـن نادي رؤساء الحكومات وإبـن عاصمتهم الحكومية.

 

المعايـير التي أشار إليها الرئيس صائب سلام، هي معاييـر الميثاقية ، أيْ المرجعية المذهبية للتمثيل السياسي، فضلاً عن مرجعية الإنتماء الجغرافي لنادي رؤساء الحكومات الذي كان محصوراً ضمن مدينتَي بيروت وطرابلس، بعدما ترمَّـلَتْ حكوميّاً مدينة صيدا بغياب الرئيس رياض الصلح، وقبل أن يستعيد شبابها الرئيس رفيق الحريري فيجمع بينها وبين مدينة بيروت، على غرار الزواج بامرأتَيْنِ حلالاً.

 

أوردُ هذه الواقعة لأنها لا تزال القاعدة التي يرتكز عليها دستور الحكم، بفعل إطاحةِ دستور الطائف ولا سيما المادة «95» منه، لتظلَّ السياسة عندنا تنصِّـبُ نفسها ديانةً جديدة تخوض معركة التنافس مع الله.

 

بهذا المعنى الميثاقي سقطت حكومة الرئيس حسان دياب بالضربة الميثاقية القاضية، وسقط تكليف السفير مصطفى أديب لأنه جاء من خارج الطاولة المستديرة لفرسان النادي الأربعة، وكلُّ مرشح آخر من «الخوارج» مرشّحٌ للسقوط إنطلاقاً من التصريح الذي أدلى به رئيس مركز الإعلام والدراسات الإسلامية الشيخ خلدون عريـمط لجريدة الجمهورية بتاريخ: 31/12/2019 أي في أعقاب ترشيح الرئيس دياب وقد جاء فيه: «إنَّ الموقع الأول للمسلمين السنّة في الدولة يجب أن يخضع لموافقة الذين يمثّلهم، لا لمشيئة الذين يناوئهم، وإلاّ اعتُبر الأمر نوعاً من القهر لأبناء طائفته…»

 

وهذا يعني أن الرئيس سعد الحريري بوصفه المرجعية السنيّة الأقوى هو صاحب الحق الشرعي برئاسة الحكومة، توافقاً مع قاعدة المرجعية المذهبية لرئاسة المجلس النيابي ورئاسة الجمهورية، وعليك عند كلِّ استحقاق دستوري أنْ تنتظر الدخان الأبيض من دار الطائفة، وما عليك عند كلِّ استحقاق لرئاسة الجمهورية إلاّ أن تنتـظر الدخان الأسود.

 

في معزلٍ عن المعايـير الميثاقية والمرجعيات المذهبية وهياجِ الثيـران الثائـرة، والدخان الأبيض أو الأسود، فإنَّ أسراباً من الطيور ذات الأجنحة السوداء تحمل كلّ معايير الشؤم فوق وطـنٍ مسجَّى على فراش الإحتضار.

 

إنَّها الساعة الحاسمة التي تضع الطبقة السياسية عندنا أمام امتحان تاريخي هو بمثابة الحكم المبرم، فإذا كان التاريخ لا يعلّق المشانق، فإنّـه يعلّق في الأعناق أطواقاً من العار كعلامةٍ فارقةٍ للخيانة.