IMLebanon

هكذا طُوِيَت التعيينات في قيادة الجيش

من أرادَ أن يقرأ جيّداً زيارة الرئيس تمام سلام الى اليرزة في توقيتها ومضمونها يجب أن يفهم أنّ ملف التعيينات في قيادة الجيش قد طوي، واقتصر الأمر على قوى الأمن الداخلي، وسيَبقى ما يتّصل بالجيش معلّقاً الى أيلول المقبل. فـ»طالِب الشيء قبل أوانه عوقِب بحرمانه»، كما قال الرئيس نبيه برّي. فكيف تُفسّر المعادلة؟

ظهر واضحاً أنّ اختيار رئيس الحكومة تمام سلام الساعة العاشرة من صباح الخميس موعداً لزيارة اليرزة، خُطّط له بعناية وتوقيت مناسبَين لتوجيه رسالة واضحة وصريحة الى كلّ من يَعنيه الأمر بأنّ ملف التعيين في قيادة الجيش يجب أن يُطوى الى الموعد المناسب، وتحديداً الى نهاية ولاية قائده.

فالموعد نفسه كان مقرّراً ان يكون لحظة انعقاد مجلس الوزراء الذي جمّد على وَقع الخلاف حول التعيينات العسكرية ورفض البحث في أيّ بند من بنود جدول الأعمال قبل تعيين البديل من قائد الجيش بعدما طُويت التعيينات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وباتت مع كل ما رافقها من تشكيلات على مستوى قيادة الدرك وقادة الوحدات الأخرى أمراً واقعاً لا نقاش فيه، وعلى خلفية هذه الوقائع التي لا يرقى اليها الشك، بقيَ السؤال: هل كانت خطوة رئيس الحكومة منسّقة مع بقية الأطراف المعنيّة بالملف وتحديداً مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي؟

هذا السؤال فرَض نفسه في كلّ الأوساط وعلى مختلف المسارات، بعدما عَبّر سلام، في زيارته الى وزارة الدفاع بكامل تفاصيلها ووقائعها، بوضوح عن دعمه المُطلق للجيش وقائده واستعداده لفِعل ما يلزم ليقوم الجيش بمهمّاته المطلوبة كاملة في حماية الحدود والداخل وفي مواجهة الإرهاب.

وبعد ساعات قليلة على الزيارة، لاقى برّي سلام مساء برسالة أكثر وضوحاً، فتحدّث عن رفضه المَسّ بقائد الجيش وأيّ فكرة لتعيين البديل قبل أن تنتهي ولايته. وزادت الرسالة وضوحاً عندما سأل: هل المطلوب عَزل قهوجي وإحالته بهذه الطريقة إلى التقاعد قبل انتهاء ولايته؟». وبعدما اعتبر أنّ الأمر لا يجوز، ختم رسالته بالقول: «إنّ مَن استعجلَ الشيء قبل أوانه عوقِب بحرمانه».

لم يكن هناك أوضح من رسالتَي سلام وبرّي الى العماد ميشال عون، وما يزيد من فعاليتهما أنّهما التقيا مع بقية المواقف التي لا تجاري توجّهات وزيرَي «التيار الوطني الحر» التي انعكست تجميداً استباقياً لمجلس الوزراء مخافة انفراط العقد الهَشّ بين أعضائه.

فلم يكن ينقص بقيّة الأطراف من مكوّنات الحكومة الذين رفضوا شروط عون سوى هذين الموقفين ليكتمل الطوق الذي يُحصّنها أولاً باعتبارها آخر المؤسسات الدستورية المكلّفة إدارة شؤون البلاد في غياب رئيس الدولة، وحماية المؤسسات العسكرية، ولا سيما الجيش، من مخاطر الهجمة على قائده وقيادته.

ولكي تكون الفكرة اوضح، لم يعد هناك لبس في توافر الإجماع الحكومي على رفض المَسّ بالجيش، فمواقف وزراء «المستقبل» والكتائب والحزب التقدمي الإشتراكي ومعهم الوزراء المستقلون واضحة ونهائية لجهة رفضهم المَسّ بقائد الجيش قبل انتخاب رئيس الجمهورية، ولا يمكن لأحد تجاهل مواقف وزيرَي تيار «المردة» و«الطاشناق» اللذين يشترطان الإجماع المفقود للقبول بتعيين البديل.

وبناء على ما تقدّم، يبدو واضحاً أنّ هناك إجماعاً حكومياً ورئاسياً على توصيف المرحلة بكلّ أبعادها. فباستثناء مواقف أربعة وزراء على رغم تمايزها، باتَ الجميع مدركاً أنّه لا يوجد أيّ منطق يقود الى المسّ بقيادة الجيش حالياً.

فالمخاطر المقدرة على البلاد والعباد تدعو الى حسم المواجهة في هذا الموضوع. فالتطورات العسكرية المتقلبة في سوريا بما يرافقها من مجازر ترتكب بحقّ الأقليات الإسلامية والمسيحية، وما يمكن أن تقود اليه معارك القلمون، فَرضت استنفاراً شاملاً ليس لحماية البلد من الفتنة المذهبية فحسب بل لحمايته ممّا يمكن أن تقود اليه العصبيات النائمة والمكبوتة والتي يمكن أن يقودها «طابور خامس» الى العلن في أيّ لحظة تَخلٍّ.

وعليه، ظهر جلياً أنّ ما شهدته الساعات الماضية قد فتح أكثر من نصف الطريق لإنهاء الأزمة الحكومية ما لم يُكمل البعض مشروعه الإنتحاري، ليبقى الخلاف على موعد طَيّ الصفحة. فهل يمكن أن تطوى قبل ان يزور سلام القاهرة الأربعاء المقبل بجلسة استثنائية لمجلس الوزراء؟