IMLebanon

في وداع السفير السوري

 

ربما أفضل ما يمكن أن ينهي به علي عبد الكريم علي إقامته الممتدة ثلاثة عشر عاماً في لبنان قصيدة عصماء تسهم في يوم الإحتفاء باللغة العربية وتستوحي وداعاً “تطاوَلَ حتى قلتُ ليس بمنقضِِ…”، بدأ بالرئيس ميشال عون قبل شهرين وتُوج أمس بلقاء الأمين العام لـ”حزب الله”.

 

فالسفير السوري الذي حلَّ في ديارنا مدشناً علاقات دبلوماسية، رأى فيها اللبنانيون انتصاراً تاريخياً وإحدى ثمار ثورة 14 آذار، هو مجاز في الأدب العربي وضليع في “لغة الضاد”، ولعلَّه يترك أثراً أدبياً يدرَّس نموذجاً لانفصال المعاني عن المباني ما دامت إنجازاته الدبلوماسية خافية عن العيان.

 

قد يكون السفير علي فخوراً بما قام به في ختام رحلته الوظيفية، أو ربما كان مجرد “عبد مأمور” ينفذ أوامر رؤسائه في دمشق، لا فرق. فالحقيقة هي أنه مثَّل نظام الأسد لدى حلفائه وأتباعه والأوصياء الجدد عليه، ولم تتوافر لمهمته مواصفات تمثيل بلاده في دولة مستقلة واجبة الاحترام، تسري فيها قواعد تحفُّظ الدبلوماسيين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية أو الانحياز المفضوح لفريق هو خصوصاً سبب انقسام اللبنانيين. فإقامة سعادته بين ظهرانينا جعلته واحداً منا. تصدَّر حضور خُطَب السيد حسن نصرالله عبر الشاشات، وأدمن المشاركة في لقاءات “القوى الوطنية والإسلامية”، وبرّر وهاجم، وكأنه سفير لدى فريق بل الأحرى لدى “ساحة” مفتوحة وليس عاصمة لها سيادة وأصحاب.

 

في زمن علي عبد الكريم علي المديد لم تتقدم العلاقات الثنائية قيد أنملة، ولم يُحَلُّ أي من الملفات العالقة. مسؤوليّته الشخصية محدودة لأن دولته تراوغ في البحث الجدي بأي موضوع علَّقته منذ الاستقلال، وبأي جديد لا يناسب سياسة محور إيران. وليس سراً أن بشار الأسد وجد نفسه في 2008 مرغماً على إقامة علاقات دبلوماسية بعدما ناء تحت وطأة ضغوط دولية تبِعت اغتيال الرئيس رفيق الحريري وأجبرته على جلاء جيشه عن الأراضي اللبنانية. وكانت الحرب السورية مناسبة ليتخفّف من أي التزامات بعدما صار معزولاً مسلِّماً كل أوراقه الأساسية الى طهران.

 

لم تعترف سوريا يوماً باستقلال لبنان، لا بعثها ولا معارضته، لا يوم كانت دولة مركزية مستهابة ولا حين صارت مشلّعة تشغلها خمسة جيوش، لكن ما حقق أغراضها دوماً انتهازية حلفائها في لبنان وتفريطهم بمصالح شعبهم بغض النظر عن مشجب الصراع مع اسرائيل. فلا تمكَّنوا من الحصول على وثيقة تثبت لبنانية مزارع شبعا ولا طالبوها بترسيم الحدود البرية أو بوقف التهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية. فلماذا يكون علي عبد الكريم علي ملكياً أكثر من الملك؟ ولماذا يقدّم تنازلات ما دام هناك أطراف داخلية وازنة تساند نظامه في سياسات تخدمه على حساب لبنان؟

 

سيعود السفير الى بلاده ليكرَّم على “نجاحات” أدَّاها لمصلحة النظام. فليس قليلاً أن ينزح مليونا سوري يتوزّعون بين صقيع المخيمات وفقر التشرّد بعيداً عن الديار أكثر من عشر سنوات، فيما يكرّر سعادته لغته الخشبية عن “التعاون” و”عودة من يشاء” و”أبواب سوريا المفتوحة” غير آبهِِ بالوقائع وبمآسي مواطنيه والكلفة الباهظة على البلد المضيف. بل على العكس تماماً نراه يحتفل بتنظيم انتخابات يستدعي إليها عشرات آلاف الموالين ليقترعوا “بالدمّ” لرأس النظام!