IMLebanon

تأجيلٌ تقني طويل يهرُب إليه الجميع؟

هناك عضُّ أصابع في قانون الانتخاب. كلّ طرف يراهن على أنه سيسمع صراخَ الخصم، قبل 20 حزيران. ولكن، هل يحِلُّ الموعد، ويسقط الجميع في هاوية الفراغ؟

قبل شهر تقريباً، بادرَ وزير الداخلية نهاد المشنوق إلى مُفاتحة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في موضوع تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات النيابية. وحجّة الوزير أنه مؤتمَن على المُهل الدستورية والإجراءات التنفيذية للانتخابات في مواعيدها.

يبدو أنّ عون اشتمّ رائحة تسلُّلٍ لإمرار «قانون الدوحة» تحت ضغط الوقت وتعذّر الاتفاق على قانون جديد. وفي اعتقاده أنّ طلب المشنوق يترجم «كلمة سرّ» لقوى سياسية عدة، في مقدمها تيار «المستقبل» والنائب وليد جنبلاط.

كان ردّ عون حاسماً، لكنه غير مفاجئ. فالذين اختبروا الرجل كيف تصرّف في ملف رئاسة الجمهورية على مدى عامين ونصف عام، وكيف حقّق الهدف الذي يبتغيه، لا يستغربون اعتماده المقاربة إيّاها في ملف الانتخابات النيابية.

بالنسبة إلى عون، كان الفراغ في موقع الرئاسة أفضل من وصول رئيس «غير مناسب». ولذلك، سارعَ إلى الردّ على المشنوق بالقول: «الفراغ النيابي أفضل من قانون الـ60 ومن التمديد ومن انتخاب مجلس نيابي «غير مناسب». أنا وعدتُ في خطاب القسم بإجراء الانتخابات وفق قانون جديد يحقِّق صحّة التمثيل للجميع، وسأفي بوعدي».

إذاً، في منهجية تفكير عون: الهدم وانتظار الظروف المناسبة للبناء السليم، أفضل من الاستعجال في تركيب بناء غير سليم. فليس مُهماً أن يُصار إلى تعبئة المكان بأيّ شيء، أو بأيّ كان، لمجرد الهرب من «الفراغ».

وفي رأي عون أنّ البعض يعتمد سياسة تعطيل الحلول الحقيقية لأنه اعتاد أن يلعب هذه الورقة، أي أن يَدفع الجميع إلى الرضوخ لمنطق ملء الفراغ «كيفما كان»، وفي اللحظات الأخيرة، سواء في الانتخابات الرئاسية أو النيابية.

وعون عاش هذه التجربة في الدوحة عام 2008، عندما تمّ تَجاوزه في التسوية والاتفاق على الرئيس ميشال سليمان. حينذاك، قال حلفاء عون له: «لم يعد أمامنا الوقت الكافي لإقناع الجميع بانتخابك. «مَشّيها» هذه المرّة، وسيكون لك المكان بعد 6 سنوات. ولم يؤخَذ بطرح عون أن تكون ولاية سليمان انتقالية، لمدة سنتين، وبعدها ولاية كاملة له.

إذاً، في خلفية عون اليوم أنّ الفراغ في ذاته ليس فزّاعة، وأنّ التمديد لهذا المجلس لأربع سنوات أخرى، سواء بقانون أو بانتخابات تعتمد قانوناً «معلّباً»، يعيد إنتاجه على عِلّاته، هو الفزّاعة الحقيقية، لأنه سيعني موت العهد في الأشهر الأولى من الولاية، أي قبل أن تنطلق.

لكنّ عون لا يمتلك الهامش الكافي ليفعل ما يشاء. فإذا هو تَسبّب بالفراغ النيابي- أيّاً كانت الحيثيات – فسيكون ذلك أيضاً نكسة للعهد. وكما أنّ عون لن يقبل بالتمديد أو بالـ60 أيّاً كان الثمن، فهو أيضاً سيتجنّب أن تتوجّه إليه «تهمة» التسبّب بالفراغ. فرئيس مجلس النواب نبيه بري وتيار «المستقبل» أول الرافضين للفراغ، والقوى الدولية تراقب عن كثب.

لن يقبل عون بأن «ينكسر» في ملف الانتخابات، بالتأكيد. لكنه ليس قادراً على «كَسْر» الآخرين، بالتأكيد أيضاً. ولذلك، إذا لم يتطوّر الضغط الدولي في اتجاه الحسم والتوافق على صيغة معينة، إمّا بقانون أكثري يقتنع به عون، وإمّا بـ«المختلط» أو «التأهيلي»، فقد يحلّ 20 حزيران من دون اتفاق على أيّ قانون.

المعلومات التي رشحت عن قوى سياسية عدّة في الساعات الأخيرة، ومنها «القوات اللبنانية»، توحي بأنّ السيناريو الذي يسلكه ملف الانتخابات النيابية سينتهي إيجاباً وبلا مفاجآت. ففي اقتناع هذه القوى أنّ التوافق على قانون مختلط سيكون حتمياً، وستكون هناك ورشة مؤدية إليه بعد الانتهاء من ملف الموازنة. وسيقود ذلك عملياً إلى تمديد تقني للمجلس النيابي، لا يعارضه أحد، ضمن مدى أشهر قليلة، فتُجرى الانتخابات في أيلول المقبل.

لكنّ أوساطاً أخرى تبدو أكثر حذراً في التفاؤل، وتقول: «صحيح أنّ الرغبة في إنجاز القانون موجودة لدى الجميع، لكنّ القدرة على ذلك ليست مضمونة. فاستمرار المراوحة حتى 20 حزيران وارد، ما يعني وقوع الفراغ».

وعلى الأرجح، وفق هذه الأوساط، سيبحث الجميع عن سبيل إلى أطول تمديد ممكن، لعلّ الوقت يكون «حَلّال المشكلات». والمدخل يكون في أن تضع القوى السياسية خطوطاً عريضة لقانون انتخاب يعتمد صيغة «المختلط» بين النسبي والأكثري، وربما التأهيل على مستوى القضاء قبل الاقتراع نسبياً في دوائر وسطى أو في المحافظة.

هذه التعقيدات لن يُتاح حلّها في الأشهر القليلة الفاصلة عن أيلول، فقد مضى على النقاش في قانون الانتخاب 8 سنوات بلا نتيجة. ولا بدّ من فترة أطول لتسوية الملف، إذا كانت الإرادة موجودة والظروف متوافرة.

لذلك، يدور في هذه الأوساط حديث عن «تمديد تقني» للمجلس النيابي يزيد عن 3 أشهر. ويعتقد البعض أنّ تأخير الانتخابات إلى ما بعد أيلول يضعها أمام احتمال واحد هو التأخير عاماً كاملاً لتجرى في حزيران 2018. وهذا الحلّ تَرتجيه قوى معينة بسبب حاجتها إلى وقت أطول للاستعداد للمعركة.

هذا التمديد الذي يُعطى (دستورياً) طابع «التقني» هو تمديد واقعي وسياسي جديد للمجلس الحالي، يُضاف إلى السنوات الأربع الممددة أساساً. وقد يجد الجميع أنّ من مصلحتهم إمراره، فهو مثالي لمَخرج على الطريقة اللبنانية تحفظ للجميع ماء الوجه ولا تُثير شعوراً بالهزيمة لدى أيّ منهم.

هل يكون «التمديد التقني الطويل» هو السبيل إلى تأجيل انفجار لا يبدو أحد مستعدّاً لمواجهة تداعياته؟