IMLebanon

معركة الجرود وتوقيت حزب الله: منفذ بَرّي إلى «الهلال الشيعي»؟

    المشهد الإنقسامي حول النازحين يذكِّر بمشهد الإنقسام الدموي حول الفلسطينيّين في بداية السبعينات

    تداعيات المواجهة ستؤول لتطبيق القرار 1701 بمراقبة الحدود اللبنانية – السورية

الإنقسام الشعبي الذي طفا على السطح على خلفية الدعوة إلى وقفة تضامنية مع النازحين السوريين جرى تحويرها على انها تظاهرة للنازحين ضد الجيش اللبناني ليقابلها دعوة تضامنية مع الجيش مرفقة بالتحريض العنصري والوعيد والتهديد والتخوين، أعادت إلى الذاكرة مشهد الشارع في بدايات الحرب الأهلية بين التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين والتظاهرات المضادة المؤيدة للجيش، والذي عادة ما تحركه لعبة الأجهزة الاستخباراتية ومعها الجهات المُستفيدة في إطار تهيئة المناخات من أجل الدفع في اتجاه تنفيذ «مخطط ما» مرسوم ومعد.

اليوم ثمة خشية حقيقية من أن هناك من يدفع نحو إنزلاق الجيش إلى صدام مع السوريين يشبه الصدام بين الجيش والفلسطينيين في العام 1973، حيث أدى أنذاك الانقسام اللبناني إلى نشوب حرب الـ1975 التي طالت 15 سنة وانتهت بتسوية «الطائف» السياسية.

هذه الخشية لا تنطلق من فراغ بل من قراءة لسياق الأمور خلال الأسابيع الماضية، حيث أن تسريبات»حزب الله» عن إعداده لمعركة جرود عرسال ترافق مع «عملية استباقية» ضد مخيمين إثنين للنازحين السوريين في عرسال، قيل ان انتحاريين خمسة فجروا أنفسهم خلالها، وهي رواية يحوطها الكثير من الشك حول مجرياتها وحقيقة ما جرى في تلك المداهمة، ولاسيما أن أداء المؤسسة العسكرية عقب العملية شابه الكثير من الارباك والتشكيك ليس داخلياً فقط بل ودولياً في ظل اعتقال مئات من الشبان ووسمهم بالجملة بالارهاب ووفاة 4 منهم بظروف ملتبسة.

لم ينته الأمر عند هذا الحد، بل أرفق بحملة سياسية رافضة لأي مساءلة للجيش لكشف ملابسات ما جرى في عملية عرسال وفتح تحقيق بظروف وفاة الموقوفين الأربعة، لتستكمل بأوسع هجوم على ملف النازحين السوريين الذي كان محيداً من قبل، ويتم الطرح علانية ضرورة التنسيق مع الحكومة السورية من أجل عودتهم، ولينتهي المسار باطلالة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي حدد الخيارات أمام الجيش اللبناني حول معركة الجرود المحتومة بالنسبة إليه، ومقدماً مرافعته حول آوان عودة الخطوط بين الحكومتين اللبنانية والسورية لحل أزمة النازحين.

هذا السياق دفع إلى الاستنتاج السياسي بأن معركة جرود عرسال تسير وفق توقيت «حزب الله»، تماماً كما هو موضوع إثارة ملف النازحين السوريين والتحريض المبرمج والمتمادي حياله يوماً بعد يوم، إلى حد المغالاة في المواقف بين مَن وضع المسلحين في الجرود والنازحين في «سلة واحدة» عنوانها «الإرهاب»، وبين من حَمَّل النازحين مسؤولية سرقة لقمة العيش من فم اللبنانيين ودفعهم إلى الهجرة.

ففي رأي أوساط معارضة أن «حزب الله» يسعى إلى كسب الوقت الضائع من أجل فرض وقائع جديدة على الحدود اللبنانية- السورية، لكن التساؤل الرئيسي، الذي في ضوء تبلور إجاباته يمكن رسم معالم المرحلة المقبلة، يكمن في ما إذا كان هناك اتفاق أميركي- روسي حول إقفال طريق طهران- بئر العبد. فتطورات المنطقة والاتفاقات التي جرت بين واشنطن وموسكو آلت إلى ضبط الحدود الإسرائيلية- السورية وتحصينها من خلال انتشار الشرطة الروسية في الجولان، وإلى ضمان الحدود السورية- التركية، وكذلك ضبط الحدود الأردنية- السورية، فيما بقى عالقاً مصير الحدود العراقية- السورية والسورية- اللبنانية، وهي الحدود التي يجري التسابق عليها. فالمعركة المستعرة اليوم التي يقودها المحور الإيراني وميليشياته على الحدود السورية- العراقية هدفها تأمين جسر تواصل بري بين سوريا والعراق تحت السيطرة الإيرانية، وتندرج في الإطار نفسه معركة «حزب الله» التي يريدها على الحدود السورية- اللبنانية، بحيث إذا نجح فيها يكون قد تأمن الجسر البري بين طهران- بغداد- دمشق- بيروت، وأضحى مشروع «الهلال الشيعي» واقعاً مكرساً.

على أن طبيعة النهائيات التي ستتحكم بالاستحقاقات الآتية من شأنها أيضاً هي الأخرى أن تحدد معالم المرحلة المقبلة. فالاعتقاد السائد أن «حزب الله» يريد أن يكرس «معادلة الشراكة مع الجيش اللبناني» في معركة تحرير جرود عرسال من الإرهاب، في تماه مع الدور الذي لعبه الحشد الشعبي العراقي في معركة «تحرير الموصل»من تنظيم «داعش»، فإذا نجح في فرض هذه الشراكة سيعزز أوراقه كقوة عسكرية رديفة للجيش أو مكملة له، بانتظار الظروف المؤاتية لمسألة طرح شرعنة سلاحه في البرلمان اللبناني على غرار تشريع البرلمان العراقي لسلاح الحشد الشعبي.

أما إذا نجح الجيش في إعداد المعركة التي قد يراها ضرورة في سياق دوره بمكافحة الارهاب وأنجز المهمة، فإنه بذلك يكون قد عزز موقعه وكسب مزيداً من الثقة الداخلية والدولية بقدرته على القيام بدوره في بسط سيطرته على الحدود وكل الأراضي اللبنانية. غير أن هذا الاحتمال، في رأي المتابعين، لا يمكن أن يحصل من دون غطاء أميركي بالكامل، وهو يعني في السياسة أن الاتجاه الاميركي- الروسي قد تبلور حيال مستقبل الحدود اللبنانية- السورية. وهذا المسار بغض النظر عن كلفته البشرية أو المادية لا بد في نهاية المطاف أن يؤدي إلى استكمال المجتمع الدولي ضغطه في اتجاه تطبيق مندرجات القرار الدولي 1701 لجهة استعانة الجيش اللبناني بالقوات الدولية لمراقبة الحدود اللبنانية- السورية في خطوة مطابقة لآليات مراقبة الحدود اللبنانية- الإسرائيلية.

فبين معادلة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بأن الجيش اللبناني ضعيف وأن سلاح «حزب الله» ضرورة وبين معادلة رئيس الحكومة سعد الحريري الرافضة لتغطية أي شراكة بين سلاح «حزب الله» غير الشرعي وسلاح الجيش الشرعي، ستحمل معها الاسابيع وربما الأشهر المقبلة الخبر اليقين حول ما سيرسو عليه الواقع، كما ستحمل معها نتائج محاولات استخدام ملف النازحين السوريين كورقة لتعزيز شرعية النظام السوري أو لإعادة خلق انقسام داخلي على أسس طائفية ومذهبية!.