IMLebanon

إنهيار أمبراطوريات النفط… نهوض الأمبراطوريات القديمة

تُوحي المؤشّرات بقرب انهيار أمبرطوريّات النفط، ومعها الدعائم الأساسيّة للدوَل والكيانات والمحاور، والتحالفات. بدأ الحديث عن الأمبراطوريّة الإيرانيّة قبل أن يُبرَم الاتّفاق مع مجموعة (5+1). وباشرَت تركيا تكريسَ نفوذ أمنيّ وسياسي في عمقِ الأراضي السوريّة، واستذكارُها رفات السلطان شاه، له رمزيّة في المكان والزمان.

بدورها، فاجأت موسكو، طهران ودمشق بموقفها، أيّدَت شرعيّة الرئيس عبد ربّه منصور هادي. إنّها مقتضيات المصالح، تعرف أنّ الأزمة اليمنيّة بدأت تنتقل من صنعاء إلى عدن، ومِن عدن إلى باب المندب، الممرّ النفطي الاستراتيجي.

في خطابه الأخير أشارَ العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى تدَنّي أسعار النفط، وإنعكاساته. سبَقه أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح الذي دعا إلى «شدّ الأحزمة»، فيما الدوَل الخليجيّة الأخرى «تعضّ ع الجرح» وتعالج التداعيات بتكتّمٍ كبير. قيل سابقاً إنّ الهدف من تدنّي الأسعار كان «تركيع» النظامين الروسي والإيراني، وإذ بالأوّل يُصَعّد في أوكرانيا، ويشدّ السَير نحو باب المندب، فيما الثاني يتحدّث عن أمبراطوريّة إيرانيّة، عاصمتُها بغداد.

وقبل أن تطوى صفحة النوَوي، فُتِحت صفحات التاريخ والجغرافيا، لم يعُد الحديث عن الاتّفاق ممتعاً، سواءٌ أبرِم وفق المواعيد المضروبة، أم أرجِئ البَتّ به. هناك جديد بدأ يتخطّاه يتمحور حول النفط، وأمن باب المندب، واستقرار الممرّات الاستراتيجيّة، وخطورة تداعيات كلّ ذلك على مصير الاقتصاديات، ومستقبل الكيانات.

تؤكّد السعوديّة أنّ اتّفاقاً على النوَوي لن يمرّ إلّا إذا حَظيَ برضاها ومباركتها. كان الأمير سعود الفيصل حاسماً خلال محادثاته مع نظيره الأميركي جون كيري. لكن، وفق حسابات الغرب، يبدو أنّ الرياض وحدَها في المواجهة، الدوَل الخليجيّة الأخرى تتعاطف ظاهريّاً وبروتوكوليّاً، ولكنّ كلّاً منها له حسابات مختلفة مع طهران تحت الطاولة، ومفاوضات سرّية تنسيقيّة، ولا واحدة منها على استعداد للذهاب بعيداً في المواجهة، وعند مفترقٍ ما، وفي مرحلة من المراحل ستنكشف الأوراق.

أُفولُ انبهار أمبرطوريات النفط، قد يكون مطلوباً لمصلحة صعود أمبرطوريات المذاهب، خصوصاً في ظلّ أوراق كثيرة لم تحترق بعد. «داعش» لا يزال في العراق وسوريا، وتقدُّم كتائب الجنرال قاسم سليماني في تكريت لا يُبدّد المشاعرَ المذهبيّة بل يفاقِمها.

هناك مَن يتحدّث عن شيعي إيراني يستهدف سنّة العراق، وهذا ليس بالقليل، لأنّ قوَّتَه توازي قوَّة إعصار ينثر شرارات الحروب المذهبية في كلّ اتّجاه، وفي مختلف الأمكنة. والحقيقة الأولى أنّ اتّفاق النووي في حال إبرامِه لن يؤدّي إلى صفحةٍ جديدة مشرِقة هادئة متفائلة، بقدر ما سيفتح صفحة من التصعيد غير المسبوق.

الحقيقة الثانية أنّ الخليجيّين ينظرون إلى هذا الاتّفاق من منظار التحدّي، وأنّ إبرامَه – إذا ما تمَّ ضمن المواعيد المحدّدة نهاية هذا الشهر – ليس سوى تأكيد معادلة الغالب والمغلوب. الحقيقة الثالثة أنّ السعوديّة وحدَها في المواجهة، فيما الدوَل العربيّة الأخرى غارقة في حساباتها ومصالحها، ولكلّ منها ظروفه وأوضاعه، و»كما أنتم، كذلك إمكاناتُكم!».

الحقيقة الرابعة أنّ الأميركي قبل الاتّفاق، ومعه، وبعده لم يعُد طرَفاً، بل شريكاً لإيران في تقاسُم المصالح والأدوار والنفوذ مع الحِرص على الضمانات الوازنة التي تريدها إسرائيل، والتي سيكشفها المستقبل. والحقيقة الخامسة أنّ الحديث عن عواصم عربيّة أربع: بغداد، دمشق، بيروت، وصنعاء في القبضة الإيرانيّة أقربُ إلى الواقع، منه إلى الوهم.

أمّا في بيروت، فتكرج الأيام، وتتهاوى الاستحقاقات، وتكبر المهزلة. الصَبيّة المدَلّلة بثوب الفراغ أصبحَت في عمر العشرين. عشرون جلسة، ولا رئيس. عشرون جولة ولا مِن بطل، ولا مِن منتصر سوى الفراغ. منصبٌ مهدور، جمهوريّة مهدورة، تنكفئ رويداً رويداً، تضمحِلّ شيئاً فشيئاً، تجرّ وراءَها ذيولَ الخيبة لتنزويَ خلف سُحب الضباب، تنتظر معجزةً تُنقذها من الوهم، في زمنٍ انعدَمت فيه المعجزات.

الأميركي منهمِك، له أولوياته في المنطقة وخارجها، السعودي له اهتماماتُه، وهناك تحدّيات كثيرة تزدحم عند أبوابه. الإيراني يحلم بالأمبرطوريّة، ينهمِك في تثبيتِ دعائمها، فيما لبنان مشغولٌ بحوارات «ع القطعة» تحت شعار تنفيس الاحتقان. أوَليس الحوارُ داخل ما تبقّى من مؤسسات شرعيّة أفضلَ وأبقى؟