IMLebanon

خطاب القَسَم… التّحديات ومصداقية الحلفاء

الواحد والثلاثون من تشرين الأول 2016 يوم أنهى سنتين ونيّف من الشغور الرئاسي وأنهى مساراً طويلاً من مبادرات كانت أقرب إلى المغامرة، واتّسمت بالسير على حافة الهاوية. المبادرات المغامرة، إذا صحّ التعبير، فكّكت أكثر من مرة وأعادت تركيب الإصطفافات السياسية التي ارتسمت وترسّخت ما بعد العام 2005 على وقع التداعيات الإقليمية لإغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. المبادرة الحريرية الأخيرة كانت مرنة إلى حدود الإنقلاب على الذات وأدّت الى إنضاج معادلة عددية وسياسية، على قاعدة التمسّك بالدستور وتحييد الدولة عن الصراع في سوريا، وتمكّنت من إسدال الستار على مشهد الفراغ الرئاسي.

لقد عبّر العدد الكبير للأوراق البيضاء والمُلغاة داخل صندوقة الإقتراع عن رغبة واضحة لدى بعض القوى السياسية، وعن متسعٍ في المجال، لمرشح آخر لم تُتِح له أزمات الوسط السياسي اللبناني وانعدام المبادرة شروط الترشيح. الأكثرية العددية التي أدت إلى وصول العماد عون إلى سدّة الرئاسة عبّرت عن ديمقراطية واقعية، عكست حجم التأييد الواقعي للمرشح الرئاسي الوحيد، وقلّصت تبعات تأييد مصطنع ربما سيُربك العهد في المراحل المقبلة. وفي هذا المجال يُطرح أكثر من تساؤل حول خلفيات التصدّع الكبير الذي ظهّرته الأيام الأخيرة لدى فريق الثامن من آذار، ومن دون القبول بالتبريرات اللفظية حول الشراكة الإستراتيجية والإتفاق على الأهداف البعيدة المدى، فالمعسكر المذكور هو انعكاس لتحالف إقليمي، وهو يتعرّض حالياً لأكثر من اختبار في أكثر من ميدان وبالأخص في سوريا، واستمرار تماسكه هو من استمرار التحالف بين القوى الإقليمية التي يعبّر عنها.

لقد لامس خطاب القسم في أكثر مندرجاته طموحات اللبنانيين الحياتية لجهة الإلتزام بنهج تغييري يعتمد التخطيط المسبق والشفافية لتحقيق الإستقرار الإقتصادي والإجتماعي والإستقرار الأمني وتحرير القضاء من التّبعية السياسية. التشديد على التمسك باحترام الميثاق والدستور وضرورة تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني، بكاملها من دون إنتقائية أو إستنسابية، وربط ذلك بشرعية أي سلطة، يؤسس لبناء هامش من الثقة مع غالبية اللبنانيين ويسقط ما اعترى هذا الموضوع من طروحات حول مؤتمر تأسيسي وإعادة تكوين السلطة على قاعدة المثالثة بدل المناصفة، وعدم الإعتراف باتّفاق الطائف لأنّ فريقاً سياسياً لم يكن موجوداً لدى إقراره. وفي إطار تطبيق وثيقة الوفاق الوطني أيضاً يندرج تأكيد خطاب القسم على الإلتزام باحترام ميثاق جامعة الدول العربية واعتماد سياسة خارجية مستقلّة تقوم على مصلحة لبنان العليا واحترام القانون الدولي.

لقد ركّز خطاب القسم على الثوابت الوطنية وفي مقدّمتها تعزيز الجيش وتطوير قدراته ليصبح قادراً على ردع كلّ أنواع الإعتداءات وتحرير ما تبقّى من أراضٍ محتلة والتّصدي للإرهاب. ولكنّ الإشكالية المأزق التي وردت في متن الخطاب والتي ستشكّل اختباراً لرصيد فخامة الرئيس ميشال عون لدى حلفائه السياسيين وفي مقدّمتهم شريكه الإستراتيجي حزب الله، كما يحلو لبعض أعضاء تكتل التغيير والإصلاح تسميته، تكمن أولاً في ما عناه فخامة الرئيس بعبارة التعامل «مع الإرهاب استباقياً وردعياً وتصدياً»، فهل يعني ذلك أنّ مشاركة حزب الله في القتال في سوريا واليمن والعراق وتوقيف بعض عناصره في أكثر من بلد عربي لتشكيلهم شبكات تعمل على تهديد الأمن هو جزء من العمل الإستباقي لمكافحة الإرهاب؟ وكيف يمكن أن يتفق ذلك مع ميثاق جامعة الدول العربية واعتماد سياسة خارجية مستقلة تقوم على مصلحة لبنان العليا واحترام القانون الدولي؟ وإذا كان المقصود هو قتال الإرهاب إستباقياً من خلال الاجهزة الامنية وتعاون لبنان مع الدول الصديقة فكيف يمكن ان يتعايش التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر وكيف سينعكس ذلك على مستوى العمل الحكومي ورئاسة الجمهورية؟ أما في موضوع الصراع مع إسرائيل فقد ورد في الخطاب: «إننا لن نألوَ جهداً ولن نوفّر مقاومة في سبيل تحرير ما تبقّى من أراضٍ لبنانية محتلة». وفي هذا المقام أيضاً يُطرح أكثر من تساؤل حول مدى اضطلاع الجمهورية الجديدة بقرار الحرب والسلم والقدرة على استيعاب حزب الله ضمن إطار استراتيجية دفاعية لبنانية يقودها رئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة وفقاً للمادة 49 من الدستور اللبناني.

إشكاليات كثيرة وأكثر من اشتباك إقليمي إلى أجلّ ليس بقريب على الساحة اللبنانية، تضع مصداقية التحالفات السياسية القائمة أمام اختبارات قاسية، كما وتطرح أكثر من تحدٍ أمام العهد الجديد وفرص نجاحه.

فهل يُتيح حلفاء فخامة الرئيس الفرصة أمام قيام جمهورية جديدة؟