IMLebanon

تناقض السياسة الأميركية يُبقي فتائل التوتر مشتعلة

 

بَدا واضحاً من مؤشرات الحراك السياسي الداخلي والخارجي انّ كل أبواب الحلول موصدة بشدة أمام إنجاز الاستحقاق الرئاسي وأمام تهدئة جبهة الجنوب، وانّ حركة الموفدين باتت «حركة بلا بركة»، ولم تُنتج سوى تمنيات وتهديدات وضغوط مباشرة وغير مباشرة، ولكن المفارقة انه يجري تبسيط أسباب الفشل تلو الفشل وردّه الى اسباب غير حقيقية، تارة داخلية وطوراً تتعلق بتفاصيل اقتراحات الحلول، بينما الاسباب الجوهرية في مكان آخر.

كان وفد الكونغرس الاميركي، الذي ضَمّ النائبين عن الحزب الديموقراطي السناتور ريتشارد بلومنتال والسناتور كريستوفر كونز، آخر الوفود الغربية التي زارت لبنان. وبحسب معلومات «الجمهورية» أكد الوفد للرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب، «انّ الوضع في لبنان والمنطقة خطر جداً ويجب إيجاد حل له، لكن اسرائيل ما زالت ترفض المبادرات المطروحة للتهدئة. ونَقَلَ تحذيرات جدية بأنّ تهديدات اسرائيل بشن حرب او عملية عسكرية على جنوب لبنان هو تهديد جدي». فردّ الوزير بوحبيب «ان لبنان لا يريد أنصاف حلول بل يريد هدوءاً وسلاماً كاملين عبر التطبيق غير المُجتزأ للقرار 1701 وتعزيز قدرات الجيش لزيادة عديده وإمكاناته ما يؤمّن الاستقرار والهدوء وعودة النازحين من الجهتين الى مناطقهم». وتمنى ان «تساهم الولايات المتحدة في تعزيز قدرات الجيش لتحقيق هذا الهدف». وقد أبدى الوفد «تفهماً كاملاً لوجهة نظر لبنان، ووعد ببذل ما يمكن من جهود واهتمام لمساعدته»، من دون تحديد الخطوات التي سيقوم بها الوفد او الحزب الديموقراطي.

 

هذا الوفد، كما سائر الموفدين، لم يركز على الاسباب العميقة والجوهرية للإستعصاء القائم لتحديد السبل الواقعية لمقاربات الحلول، والتي لا تتعلق بتاتاً بأسباب لبنانية داخلية، بل بما يجري خارج حدود لبنان، من مفاوضات فوق الطاولة وتحتها ومن توترات عسكرية مُرافِقة لها وضاغطة عليها. وهي مفاوضات تدخل فيها اميركا وايران ودول عربية واوروبية والكيان الاسرائيلي، تبدأ من وضع غزة ولا تنتهي بوضع لبنان، فثمة ملفات اكبر واخطر من حروب صغيرة او كبيرة هنا وهناك لا بد ان تنتهي بطريقةٍ ما، لكن الملفات المفتوحة تحت نار الحروب للسيطرة على منطقة الشرق الاوسط سياسياً وامنياً وعسكرياً واقتصادياً هي التي تعرقل اي حلول طالما لم تحصل تفاهمات الحد الادنى بين الدول المعنية.

 

واشنطن ما زالت تحول، عبر استخدام حق النقض (الفيتو)، دون تَوصّل مجلس الامن الدولي الى قرار لوقف النار في قطاع غزة، ما ينعكس بالتالي استمراراً للمواجهات في جبهة الجنوب اللبناني مع فلسطين المحتلة. ولعل الادارة الاميركية تسعى لحلول بعيدة الأمد لتهدئة التوتر في الشرق الاوسط عبر الدفع نحو حل الدولتين بين فلسطين والكيان الاسرائيلي، وتواجهها عرقلة بشروط اسرائيلية واضحة صعبة التحقيق. وفي الوقت ذاته تواصل دعم الحرب على غزة ومَد اسرائيل بالسلاح والعتاد في تناقضٍ واضح بالسياسة الاميركية. وتسعى للتفاهم مع ايران على ملفات ساخنة في الخليج وغيره من مناطق، لكن حتى الآن من دون اي نتيجة بسبب اختلاف الرؤية لمصالح الدولتين، ما يعني بقاء التوتر في باب المندب والبحر الاحمر. وتسعى للتفاهم مع العراق على انسحاب قواتها منه لكن بشروطها وبما يحفظ لها موطىء قدم عسكري وسياسي في هذه الدولة، والحال ذاته قائم حول الانسحاب من شمال شرق سوريا لكن تشوبه تعقيدات جمّة بسبب تعقيدات سياسية وعسكرية قائمة بين واشنطن وموسكو وطهران وتركيا.

 

هذا التناقض في السياسة الاميركية حول الرغبة بتهدئة منطقة الشرق الاوسط والاطماع ببقاء الهَيمنة عليها ولو بالقوة، يجعل من المستحيل موافقة اي دولة تختلف في التكتيك وفي الاستراتيجيا مع واشنطن على تلبية مطالبها وشروطها بهذه السهولة، ولو تحت ضغط صواريخ حاملات الطائرات والغواصات. فإذا كانت اميركا مهتمّة ببقاء هيمنتها على الشرق الاوسط، وببقاء اسرائيل قوة اساسية في المنطقة، فإنّ دولاً أخرى على خصومة شديدة إن لم يكن عداءً مُستحكماً معها لن تُسهّل لها مطامعها ومشاريعها.

 

وعلى هذا ستبقى فتائل التوترات مشتعلة وموصولة بقنابل كبيرة لا أحد يعلم متى وأين ستنفجر. وجبهة لبنان الجنوبية التي كانت هادئة سنوات عديدة وانفجرت فجأةً بفِعل الحرب على غزة، مِثال صغير ربما على جبهات اخرى قد تنفجر بوجه الجميع وتُطيح كل الكلام عن تسويات آتية لم تظهر بعد أي مؤشرات عملية ملموسة لها.