IMLebanon

التجربة العضّومية في محاربة العونية والقضاء المطلوب

 

عندما تهتز صورة القضاء في لبنان، فهذا يعني ان البلد مهزوز، بمعنى أن لا شيء طبيعياً فيه بدءاً من رأس السلطة نزولاً الى كل المؤسسات بالتدريج.

 

والمصيبة تقع عندما تهتز تلك الصورة. يمكن أن تحصل جريمة أو سرقة، ويمكن ان تُرتَكب خيانة وطنية، فيتم تطويع الدستور والقوانين… لكن كل ذلك يمكن اصلاحه اذا كان القضاء حراً ومستقلاً. اضخم الجرائم يمكن محاسبة مرتكبها وأكبر السرقات يمكن حبس فاعلها وتلقين الراغبين درساً، فقط اذا مارس القضاء دوره، وهذا يصح في ايّام السلم، وهو ضروري خصوصاً في ايّام القلاقل والحروب ومن نافل القول التذكير بما نقل عن تشرشل في اطمئنانه الى سير القضاء في بلاده خلال الحرب العالمية الثانية.

 

اليوم يكثر الحديث عن المحاسبة كبندٍ أساسي وشرط لازم للخلاص من نظام الهدر والسرقة والتهريب والإفلاس وبيع الوطن بشعبه. وبديهي أن لا محاسبة اذا كانت القوى السياسية المتسلطة تضع للقضاء خطة سيره واختياراته وأحكامه. وما يحصل حتى الآن يشير في كثير من تجلياته الى تكرار ما حصل في السابق عندما وُظّفَ الجهاز القضائي لغايات الانتقام السياسي ثم جرى تكييف الإدعاء أو الأحكام عند انتفاء الحاجة السياسية.

 

ويخطر في البال ذلك الادعاء في عهد “الرئيس المقاوم” أميل لحود (2003) على “قائد الجيش المتقاعد” العماد ميشال عون “بتهمة تعكير صلات لبنان بدولة أجنبية وإثارة النعرات الطائفية”.

 

وفي تفاصيل خبر نشر في 25 أيلول 2003 ادعى النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي جوزيف معماري على عون وأحال الأوراق الواردة الى قاضي التحقيق الاول في بيروت حاتم ماضي، بعد ان تسلم إحالة النائب العام التمييزي القاضي عدنان عضوم مرفقة بالمستندات الثبوتية ومن ضمنها تسجيل صوتي للعماد عون في 17 أيلول امام اللجنة الفرعية لمجلس النواب الاميركي في إطار مشروع “قانون محاسبة سوريا”، وفيه قوله ان “الاحتلال السوري يطال المصالح الاميركية”، وأن “سوريا كانت طوال 27 سنةً تُشعل النار لتأتي لإطفائها” وأن “إعادة إرساء السيادة اللبنانية شرط أساسي لاستئصال الاٍرهاب…”.

 

كان العماد عون يعبر عن رأي قطاع واسع من اللبنانيين يومها، لكن المسألة لم تكن هنا. كانت في قرار السلطة السياسية السورية عبر أدواتها من اللبنانيين بمعاقبة الأصوات التي تتجرأ على انتقاد تسلطها على لبنان وشعبه، ولذلك بدا القضاء والقضاة في حينه في أسوأ الاحوال، وصارت السلطة المستقلة عضّومية المعنى والتسمية بدل ان تكون ضمانة لحرية الناس في اختيار مستقبلهم.

 

انتهت مرحلة تطويع القانون لَيّاً وكسراً للذراع، ودخلنا عصراً بات فيه العماد المتقاعد رئيساً يُفترض أنه لم ينس المآثر العضومية، ما يفرض في ابسط البديهيات، اعلاءً لشأن القضاء المستقل ومنع الضغوط عن قضاة شرفاء سيُسجل في تاريخهم الشخصي كل ما فعلوه. ومن دون قضاء وقضاة احرار لن تكون هناك محاسبة لا الآن ولا في الدهور المنظورة.