IMLebanon

تعدّد مهمات

إذا كان الإرهاب على ما وصفته شخصيات «الصف الأول» بوحشيته ومخاطره، بعد جريمة جبل محسن، فلماذا لا تكون مبادرة لوضع خطة وطنية لمجابهة هذا الخطر القائم إذا كان مستورداً أو من منشأ لبناني؟ نحن نتوجه إلى السادة أصحاب القرار والفاعلية الذين ملأوا الشاشات إدانة واستنكاراً.

هم أصحاب السلطة الدينية والسياسية والاقتصادية والثقافية وهم مسؤولون عن كل الظواهر الاجتماعية التي ما زالت في بداياتها قياساً على ما هو حاصل حولنا. لا نحتاج أن نتوقع نتائج الإرهاب فهي ماثلة أمامنا على امتداد العالم. طبعاً ليس الإسلام هو الإرهاب، ولكن الإرهاب هو في الإسلام ظاهرة عالمية لنا أن نفسره ولا نبرره. بشكل أو بآخر هو غياب نموذج إنساني على مستوى المجتمعات وعلى مستويات الدول.

أما العلاقة بين المسلمين والغرب ففيها الكثير من الصفحات الصدامية والدموية، إلا أن الحاضر وحده يكفي ليخرجها من دائرة الحوار الإيجابي إلى دائرة الصدام السلبي من قضايا العرب في فلسطين والعراق واليمن وليبيا وسوريا ولبنان وغيرها.

يحتاج الغرب إلى تظاهرة بحجم وطبيعة تظاهرة باريس استنكاراً لعمل إرهابي كامل المواصفات والعدوانية. وكذلك يحتاج الأمر إلى مؤتمر دولي دعت إليه الولايات المتحدة، لكننا نعرف حدود هذه المعالجات منذ ربع قرن. هناك قضايا في العالم فقدت الشعوب الأمل في حلها أمام مقاومة الإرهاب الدولي المنظم الذي يقوده الغرب بأشكال أكثر غموضاً. على المرء أن يكون ساذجاً ليقتنع أن الغرب كان جاداً في مساعدة شعوب المنطقة للتخلص من أنظمة الاستبداد وأن يساهم في نشر الحرية والديموقراطية. العالم كله بهذا المعنى متورط بشكل أو بآخر في ممارسة الإرهاب.

العالم يحتاج إلى مؤتمر دولي ينظم إدارته وفق تطور ثقافة القانون وحقوق الإنسان. فليست هناك مواجهة شاملة بين المسلمين والغرب. على العكس من ذلك هناك صراع بين المسلمين أنفسهم بين قوى راجحة موالية للغرب ومتعاونة مع سياساته وهناك صراع للدول الكبرى على كسب النفوذ في بلدان المسلمين. لذلك نجد أن الانشقاق في الإسلام السياسي نفسه حيث يتجه الإرهاب بشكل خاص إلى بيئته الإسلامية. لكن الغرب يريد الصورة الأخرى التي تجعله في موقع الضحية من إرهاب المسلمين ومن «فاشية الإسلام» كما عبّر الرئيس الأميركي السابق، لكي يتصرف كما يتصرف الآن تنكراً لحقوق هؤلاء المسلمين وخفضاً لقيمتهم الإنسانية.

يتظاهر الغرب حيث يملك قرار حل مشكلات كثيرة في العالم تطاوله بعض نتائجها السلبية. فإذا كانت الدول الخمسون التي اجتمع قادتها ورموزها تعاطفاً وتضامناً مع فرنسا وشجباً للإرهاب عاجزة فعلاً عن محاصرة وإخماد شبكات الإرهاب فماذا يستطيع العرب والمسلمون أن يفعلوا في بلاد أصبحت معظم دولها ومجتمعاتها في حال من الفوضى الشاملة بمساهمة أساسية من هذا الغرب.

مسؤولية المسلمين من مستوى آخر، أن ينهضوا بمهمة الإصلاح الديني بمعناه الواسع الشامل حفظاً لكيانهم الاجتماعي، ليس للمصالحة مع الغرب بل لتصحيح وجهة الصراع وإخراجها من دائرة الموروث العقائدي، ومن أجل المصالحة مع قيم العصر، وتأمين قواعد الاستقرار انطلاقاً من مبدأ الاعتراف بالآخر في الداخل والخارج.

قد يأخذ التكفير اتجاهاً متشدداً في المضمون والممارسة لدى فئة أو مذهب أو طائفة، لكنه في العمق يغتذي من طرح الأمور على سوية المعتقد الديني لا على سوية الحياة الإنسانية المعاشة. فهذا الإصلاح المنشود هو حركة فكرية تفصل بين الإيمان وبين فرض نمط من التفكير والحياة والخيارات على الآخرين.