IMLebanon

“القوات” وثورة 17 تشرين لماذا هذا الإستهداف؟

 

يوم الخميس 17 تشرين الأول الماضي عاد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع من كندا إلى لبنان. قبل عودته لم يكن هناك معنى لهذا التاريخ إلا أنه مجرد يوم من أيام السنة. بعدما وصل إلى معراب بدأت محطات التلفزة تنقل مباشرة على الهواء مشاهد التظاهرات الشعبية في بعض شوارع بيروت. خلال الساعات الأولى لم يكن من الممكن تقدير حجم ما يحصل. في اليوم التالي صار يوم 17 تشرين يوماً مجيداً في تاريخ لبنان. حراك الشارع ازداد وتحول ثورة. في البداية لم يكن هناك موقف من “القوات”. كانت لا تزال الصورة ضبابية ولكن بعد ذلك صارت “القوات” في قلب الحدث. الشعارات التي ترفع تشبه ما كانت تطالب به ولكن في المقابل كان هناك من يريد أن يتهمها بالتآمر وركب موجة الثورة. تلك التهم بدل أن تؤذي القوات كانت تزيد من رصيدها.

عادة ما يحيط الدكتور سمير جعجع تحركاته بسرية تامة وإن كان بعض الأحيان يغامر بزيارات محددة في أوقات محددة ومفاجئة. هكذا فعل مثلاً عند اغتيال اللواء وسام الحسن عندما حضر إلى مسرح الجريمة في الأشرفية. فهو دائماً يضع في حساباته أنه قد يكون هدفاً لعملية اغتيال خصوصاً في ظل سقف المواقف الذي لا يتنازل عنه. في 30 أيلول كان البعض يعتقد أنه لا يزال في معراب عندما تم الإعلان أنه وصل إلى كندا مع زوجته النائبة ستريدا جعجع في جولة تشمل عدداً من المقاطعات الكندية يلتقي في خلالها القواعد القواتية واللبنانية هناك.

 

من قداس الشهداء إلى كندا

 

في كندا كما في لبنان لم يتغيّر خطاب جعجع. في أول أيلول في قداس شهداء المقاومة اللبنانية في معراب كان له خطاب اعتبره كثيرون نارياً لأنه سمى فيه الأشياء بأسمائها. بعدما وصف تحركات بعض “أرانب السياسة الذين يركضون من منطقة إلى أخرى ويثيرون الغبار ويخلفون الحصى ويعتقدون أنهم يسابقون القوات”، وبعدما أشار إلى “التنكر لاتفاق معراب وكأن الطرف الآخر أراده لمجرد الوصول إلى الرئاسة ومن بعدها الطوفان”، قال إنه “من المؤسف أشد الأسف أن العهد الذي أردناه وما زلنا عهد استعادة الدولة من الدويلة عهد بحبوحة وازدهار لم يكن حتى اليوم على قدر هذه الآمال أن لم نقل أكثر”، معتبراً أن “الدولة القوية التي أردنا قيامها من خلال هذا العهد باتت اليوم تخسر أكثر فأكثر من رصيدها ومقومات وجودها في شتى المجالات والميادين”… مضيفاً أن “من أسباب التدهور هو القصور في إدارة الدولة والعقلية الزبائنية التي تحكمت بها فتحولت مؤسسات الدولة وإداراتها إلى مكاتب انتخابية للبعض كما أن بعض الجماعات التي كانت تنتقد كل الممارسات الشاذة داخل الدولة من سرقة وهدر وفساد ومحسوبية وتوريث وعائلية أصبحت هي نفسها عندما وصلت إلى السلطة الشريك الأساسي والمضارب في هذه الممارسات كلها”. هذه الصورة التي رسمها جعجع هي التي كانت الإنتفاضة الشعبية ضدها. وإذا كان جعجع قال كل ذلك وحذّر منه فهذا لا يعني أنه، أو أن “القوات”، هم الذين حركوا هذا الشارع الكبير المتعدد الولاءات والإنتماءات والمناطق من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.

 

حكومة إنقاذ

 

في 2 أيلول كانت هناك دعوة للإجتماع الإقتصادي في قصر بعبدا لإعلان ما يشبه حالة الطوارئ الإقتصادية. البعض اعتبر أن جعجع لن يحضر إلى القصر ولن يشارك في هذا اللقاء الذي دعا إليه رئيس الجمهورية بعد الكلام الكبير الذي قاله في معراب واعتبر كثيرون أنه موجه إلى العهد، لأن هناك مخاطر أمنية لا يمكن إلا أن يأخذها في الإعتبار على أساس أن الوقت المحدد للقاء معلن ومكانه أيضاً والطريق إليه طويلة ومكشوفة. ولكن على رغم كل ذلك غامر جعجع وحضر. حضوره كان مفاجئاً للمشاركين أولاً وللبنانيين، كما أن كلامه كان أكثر مفاجأة عندما طلب من المشاركين الذهاب إلى حكومة جديدة توحي بالثقة والتخلي عن السلطة ودعم هذه الحكومة الجديدة التي يمكنها وحدها أن تنقذ لبنان من الإنهيار الإقتصادي، الذي كانت بشائره قد بدأت بالظهور منذ بدأ الإعداد لموازنة العام 2019 ثم لموازنة 2020، في ظل التشكيك الدولي بقدرة لبنان على الخروج من هذه الأزمة في ظل الحكومة الموجودة، وفي ظل تمنّع الدول التي وافقت على المساهمة في دعم لبنان في مؤتمر “سيدر” عن البدء بتنفيذ التزاماتها ما لم يكن هناك حكم رشيد يدير المرحلة السياسية.نهج لا مناورة

 

لم تكن تلك المرة الأولى التي يطالب بها جعجع بحكومة جديدة. اعتراضه على طريقة إدارة الدولة كان سياسة ثابتة اعتمدتها “القوات” منذ بدأت المشاركة في الحكومة بشكل فاعل بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية قبل ثلاثة أعوام. هذه الرؤية هي التي كانت في أساس تفاهم معراب بشق النقاط العشر التي تليت علناً وفي الإتفاق السياسي الذي تم توقيعه من دون الإعلان عنه. محاولة الوزير جبران باسيل نقض هذا الإتفاق جعل الدكتور جعجع يكشف عن البند المتعلق بالتوزير وتعيينات الموظفين، فسارع بعدها باسيل في محاولة للخروج من هذا التفاهم إلى نشره. مضمون التفاهم لا يخرج عن منطق “القوات” في إدارة الدولة واعتماد الكفاءات قبل الولاءات السياسية. بينما أراد باسيل، بعد وصول عون إلى قصر بعبدا وبعد نتائج الإنتخابات النيابية التي رفعت كتلة القوات اللبنانية إلى 15 نائباً، التنصل منه محاولاً تحديد حصة القوات في الحكومة ومنع حصولها على حقائب أساسية، بينما كان في المقابل يعتمد الطريقة التي تحدث عنها جعجع في قداس الشهداء وتتعلق بالمحسوبيات والزبائنية. وعلى رغم ذلك فقد شاركت “القوات” في الحكومة وقدمت المثل الأنجح للتجربة الوزارية وللمشاركة في السلطة ولطريقة إدارة المؤسسات.

 

في 9 تشرين الأول أعلن الدكتور جعجع من كندا أن “خيار الخروج من الأزمة في المدى المباشر هو أن نبدّل الحكومة الحالية بحكومة أخرى مختلفة، فمنذ عشر سنوات حتى اليوم نرى الأكثرية الوزارية نفسها. تتغيّر بعض الوجوه ولكن القوى الفعلية هي نفسها، طبعاً ليست قادرة على فعل شيء، وقد طرحت شخصياً هذا الأمر خلال الإجتماع المالي الإقتصادي لإعلان حالة طوارئ اقتصادية في بعبدا بحيث طالبت بإفساح المجال لتشكيل حكومة من أخصائيين وتقنيين من أحجام كبيرة ولندعها تعمل لإنقاذ الوضع…”ما ذنب “القوات”؟

 

في “القوات” يسألون: ما ذنب “القوات” والدكتور جعجع إذا تحوّل هذا المطلب إلى أول مطالب ثورة 17 تشرين؟ لقد حاولت القوى المعارضة للثورة في تحالف “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” التصويب على “القوات”. قالوا إنها تريد أن تركب موجة الثورة واستغلالها وإنها تقطع الطرقات في الشيفروليه وجل الديب وزوق مصبح وجونيه وجبيل وشكا والبترون، وأنها عادت إلى الحواجز، تفرض الخوات، تقوم بمحاولة انقلاب على العهد وتحرك التظاهرات من وراء الستار، وقد اعتبروا أن استقالة وزراء “القوات” يوم السبت 20 تشرين الأول لم تكن إلا من ضمن هذه الخطة. ولكن كل هذه الإتهامات لم تفسر كيف أن “القوات” يمكن أن تؤثر ايضاً في طرابلس والنبطية وصور وبعلبك وصيدا… أكثر من ذلك بعد استقالة الرئيس سعد الحريري جرت محاولات لربط استقالته، ولو أتت متأخرة، باستقالة “القوات” وبـ”الحزب التقدمي الإشتراكي” الذي اتهم أيضاً بأنه يغطي قطع الطرق في خلده والناعمة وبرجا وعاليه وصوفر…

 

ولكن بعدما نفذ الجيش عملية فتح الطرق لم تتوقف الثورة. نزل التلامذة والطلاب إلى الشوارع وانتفضت الساحات بطاقات متجددة. ولكن اتهام “القوات” لم يتوقف. اعتبروا أنها تحرّك الطلاب. هذه التهم لم ترد عليها “القوات” إلا لماماً. تكبير الإتهامات ساهم في تكبير صورة “القوات”. فالشارع لم يصدقها طبعاً حتى أن بعض الذين استقدموا لشتم “القوات” ظهر أن حضورهم مفتعل واتهاماتهم أيضاً. فـ”القوات” لم تصوّت مع موازنة 2019. وقدمت ورقة للإصلاحات الإقتصادية التي ترى أنها بداية الطريق نحو الخروج من الأزمة بدل الذهاب إلى موازنة حسابات دفترية، أظهرت الوقائع أنها هي التي فجرت ثورة 17 تشرين بعد محاولة فرض رسم شهري على خدمة الواتساب.

 

صحيح أن “القوات” خرجت من الحكومة وحذرت من الغرق ولكن يبدو أن البعض لا يزال يصر على الإسراع نحو الغرق والإنهيار متمسكا بالقيادة التي يمسك بها أكثر من شخص وأكثر من طرف.