IMLebanon

أميركا أفرجت عن الملف الرئاسي؟

 

 

مباحثات الموفدين الأجانب في عين التينة والسراي والخارجية، تؤكد أن لبنان أمام فرصة جدية لإستعادة توازن الدولة المؤسساتي، عبر إنتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة فاعلة، والتقدم بخطوات مهمة نحو الخروج من مهاوي الإنهيارات المتتالية.

وجاءت مبادرة السعودية بإعادة تشغيل محركات اللجنة الخماسية، لتعزز إحتمالات نجاح الفرصة الجديدة، لأن ثمة طروحات واضحة قد تطرحها الخماسية، بعد تبلورها في صيغتها النهائية، إثر الإجتماع المرتقب على مستوى السفراء بحضور لودريان في بيروت، والآخر على مستوى وزراء خارجية الدول الخمس سيُعقد في الرياض أو نيويورك.

 

ويعتبر مسؤول لبناني كبير أن المبادرة السعودية تحظى بدعم دول الخماسية، لا سيّما أميركا، التي يمكن القول أنها أفرجت عن الملف الرئاسي اللبناني، في إطار الحرص على إطفاء نيران التوترات الحدودية الساخنة في الجنوب اللبناني، وضمن الإستراتيجية التي أعلنتها واشنطن، منذ الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية في غزة، والقاضية بعدم توسع الحرب وتحويلها إلى حرب إقليمية، في حال مضى نتانياهو وفريقه المتطرف في فتح الجبهة مع الجنوب اللبناني.

ويبدو أن الإستحقاق الرئاسي أصبح جزءاً من ملف الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، إلى جانب ورقة ترسيم الحدود البرّية، وتطويق المواجهات العسكرية في الجنوب، وعدم تحوّلها إلى حرب مفتوحة بين تل أبيب وحزب الله.

 

هذه الفرصة المدعومة عربياً ودولياً، تتطلب تجاوباً حيوياً من الأطراف السياسية اللبنانية، مع طروحات الخماسية، القائمة أساساً على تحديد مواصفات الرئيس، دون التدخل في أسماء المرشحين، سواء بالتفضيل أم بالتشطيب، أي لا دعم لأحد من المرشحين، ولا فيتو على إسم أحد منهم.

ولكن القاعدة الذهبية الثابتة التي تحرص عليها جهود الخماسية، وخاصة السعودية والأميركية، تقوم على المبدأ اللبناني الشهير «لا غالب ولا ومغلوب». وهذا ما يؤكد عليه أيضا الموفدون الأجانب، بحيث لا يكون الرئيس العتيد محسوباً على فريق معيّن، ووصوله إلى بعبدا يعني إنتصاراً لفريقه، وإنكساراً للفريق الآخر، وبالتالي من المستحسن أن يكون على علاقة جيدة مع كل الأطراف السياسية، وأن يحظى بأكبر إجماع داخلي ممكن، في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها البلد، ويحتاج إلى تضافر جميع الجهود، للنهوض مجدداً من كبوته الحالية.

ويبدو أن دول الخماسية أخذت بعين الإعتبار تعقيدات الوضع السياسي اللبناني المعقد، وما ينطوي عليه من حساسيات طائفية ومذهبية، فضلاً عن الصراعات والتناقضات في أوساط الطائفة الواحدة، فتقرر أن يبذل السفراء المعنيون في بيروت، وخاصة سفير السعودية، المساعي اللازمة لإحتواء مختلف الأطراف السياسية في التسوية المنتظرة، والحرص على عدم إستبعاد أي طرف حزبي، أو أي كتلة نيابية، عن المشاركة في العملية السياسية التي ستُعيد الحياة إلى شرايين الدولة، ووضع البلد على سكة الإصلاح والإنقاذ، في طريق العودة إلى الإستقرار.

وإنطلاقاً من هذه المعطيات المبدئية الواضحة، سيتم التعاطي مع حزب الله والتيار الوطني الحر، بغض النظر عن العقوبات والإعتبارات الخارجية، المحيطة بكل منهما، والتعامل معهما كطرفين سياسيين وازنين في المعادلة الداخلية، ولا بد من إستيعابهما في المرحلة المقبلة. على أن يتحدد لاحقاً مَن مِن سفراء الخماسية سيتعاطى بالتحديد مع الحزب والتيار.

وبخلاف بعض الإنطباعات الخاطئة، فإن إيران ليست بعيدة عن الأجواء المستجدة في حراك الخماسية. وثمة إشارات على أن طهران على إطلاع بالموقف الأميركي المستجد في لبنان بالنسبة للإستحقاق الرئاسي، من خلال التواصل المستمر بين الطرفين في سلطنة عُمان، والذي ظهرت آثاره في التطورات الإقليمية للحرب على غزة.

أجواء هذه التطورات الإيجابية المتسارعة قد تُشكل تحدياً لبعض الأطراف الحزبية والسياسية في لبنان، التي لن تستوعب أهمية التوافقات الإقليمية والدولية حول الوضع اللبناني، وتتعامل مع المستجدات الإنفراجية بما تستحق من وعي وواقعية، والتخلي عن السقوف العالية، والنزول إلى أرض الواقع الجديد، والتفاعل مع بوادر الحلول، بعيداً عن مناورات العرقلة والتعطيل التي درج البعض عليها في الفترات الأخيرة.

وتجربة إتفاق الطائف مازالت ماثلة للأذهان، حيث خرجت الأطراف المعترضة والمعارضة من دائرة النظام، في حين كان الموافقون شركاء في السلطة التي إنبثقت عن دستور الطائف.

فهل يُعيد التاريخ نفسه في عهد الخماسية؟