IMLebanon

كي تستحقّوا لقب «ثوّار»

 

للأسف، ومنذ إنطلاقة شرارة الإنتفاضة الثورية في 17 تشرين الأول 2109، لا تزال حالات الشك تراود عقول جميع اللبنانيين الشرفاء، في مدى قدرة هذا الحَراك على تحقيق الحدّ الأدنى المنشود، الذي ثارت من أجله تلك الجموع الثورية المستقلة ضدّ هذا النظام، الذي يُخالف أبسط قواعد الديموقراطية، وهو عمليًا كناية عن سلطة متسلّطة على مقدرات الدولة، وسلطة فاشلة تستقوي بالسلاح اللاشرعي ومهما تكن هويته.

 

كباحث، دُعيتْ إلى حلقة لتقويم حَراك 17 تشرين، فلبيّت، ولاحظت للأسف أنّ هناك حالات غموض أفرزتها منظومات سياسية غير متجانسة، وحالات تصادم للإرادات وتقاطع المصالح بين عدد من مكوّنات هؤلاء الثوّار، الذين غطّوا كل لبنان. كما لاحظت أمراً خطيراً، من واجبي المهني والوطني إبرازه، وهو غياب الإدراك الواعي بالفروق الجوهرية بين منطق الثورة ومنطق بناء الدولة، وبين مهمّة إسقاط تلك الطبقة السياسية، ومعجزة الحفاظ على إدارات الدولة من الفاسدين والمُفسدين. لذا قرّرت، ومجموعة من الأكاديميين والسياسيين الشرفاء، العمل على إصلاح تلك الثغرات.

 

مفهوم الثورة في قاموس السلطة الجائرة لا يزال معلّقًا، فبعضُهم يتصوّر أنّ ما يحدث مؤامرة خارجية، والبعض من السياسيين الموصوفين في الرياء يعتبر أنّها مجرد فورات وإنتفاضات شعبية لا تعنيه ولا تطاوله، فيما يرى آخرون انّها مزيج من عوامل داخلية متراكمة، تمّ توظيفها لخدمة إستراتيجيات بعض الدول الغربية. ولا يُخفى على احد، انّ كل جهابذة السياسة عندنا نعتوا الثوار بأنّهم يتواصلون مع سفارات معينة، تسلّفهم المال والطعام، وبلغت وقاحتهم أنْ إحتلّوا شاشاتهم المُستعبدة، ليُتحفوننا بأنّ الثوار “جماعة بيقبضوا من السفارات…”. ولكن كباحثين ومهما كانت النعوت التي أطْلِقَتْ، بات من المؤكّد أنّ لبنان يتعرّض لحركة تغيير واسعة، ستكون لها إرتدادات عميقة على امتداد كل مفاصل الدولة اللبنانية، وستؤسِّسْ لمرحلة جديدة ومختلفة، سواء على صعيد الدولة وإداراتها داخليًا وخارجيًا، وحتى على صعيد المجال الجيوسياسي في كل لبنان والمنطقة. عمليًا، وإستنادًا إلى مبادئ العلم السياسي، لا تسمح أي نخبة قادرة على فعل تغيير ما، أن تتحرّك عشوائيًا، وأولى مهمّاتها البحث عن منظومة سياسية تُفسِّرْ وتُبرِّرْ للرأي العام ماهية منظومتها، والعلم يفرض أن تمتلك هذه المنظومة السياسية الحد الأدنى من المعقولية، وهي تقوم على الصدق في التعاطي بين مكوّنات هذه النخبة ومع المجتمع الدولي، الذي من المفترض أن يسمع لها إنطلاقًا من شرعة حقوق الإنسان وسائر القوانين المرعية الإجراء. إنّ الثورة في مفهومنا كمتخصصين في الشؤون السياسية الإستراتيجية، ليست نزهة ولا مجرّد حدث ظرفي يُحْدِثْ تغييرًا مطلوبًا في أسرع فرصة متاحة. إنّ الثوّار الشرفاء والنبلاء يتعاطون مع أفجر وأوقح سلطة تحكم تحت ظلّ الديكتاتورية المُغلّفة بنظام ديموقراطي زائف، وأكبر دليل الإنتخابات النيابية الأخيرة، ولا حاجة لنا للتذكير بنسبة الـ55% من اللبنانيين الذين قاطعوا الإنتخابات، ونستطرد في هذا الإطار لنُشير، إلى أنّ الأنظمة الديموقراطية الفعلية تسأل عن سبب تلك النِسب المرتفعة التي قاطعت الإنتخابات، أما في لبنان فـ”على عينك يا تاجر”.. كذب ورياء وتصريحات تؤكّد “نزاهة” تلك الإنتخابات. وفق المفهوم العلمي الذي يرتكز على مبادئ العلم السياسي، إنّ الثورة ترتكز على مسار طويل يتطلب كثيراً من خوض معارك داخلية مع البعثات الديبلوماسية ومع المجتمع الدولي، لإظهار كل الحقيقة وليس تجزئتها… كما على الثوار التعاطي الشريف في ما بينهم، وإلتزام الصبر والجهد لكي تُثمر ثورتهم مع الوقت. أما بالنسبة الى علم السياسة، الثورة تعني تغيير النظام السياسي ورموزه. وإستنادًا إلى علم الإجتماع، فإنّه يستطرد ليشير إلى أنّ الثورة تعني التغيير الجذري والعميق في المجتمع وفي البنى الإجتماعية. إنني أنصح، من باب الحرص على الثورة والثوار، قراءة كتاب كيرن برينتن وعنوانه “تشريح الثورة”، ليفهم كل ثائر معنى الثورة وأهدافها النبيلة. أيُّها الثوار إنْ كنتم جادّين في مطالبكم، وأعني الشرفاء منكم، لا الإستغلاليين، إنّ التغيير الثوري يتمثّل بمطلبين أساسيين وهما: تغيير القيادات السياسية الفاشلة وتحديث النظام. ومن هنا، إن نجحنا ونجحتم، في إمكاننا القول: إنّ الثورة ستُحقِّق أهدافها. لتعلم تلك السلطة الجائرة، وليعلم المجتمع الدولي، ومع كل محاولات إحباط الثورة وشيطنتها، لا تزال أهدافها تلقى الدعم الشعبي والتعاطف، وهذا ما سيُبنى عليه في الأيام المقبلة، لكي نستحق وكل مواطن شريف لقب يحملونه أينما حلّوا “ثوار شرفاء”. ( كاتب وباحث سياسي)