IMLebanon

توحيد «القومي»: لماذا ومتى وكيف؟

يُسلّط الإشكال الذي وقع أمام ضريح أنطون سعاده في مدافن كنيسة مار الياس في بيروت بين معارضين من الحزب «القومي السوري الاجتماعي» كانوا يرفعون شعارات ضد تعديل دستور الحزب لمصلحة شخص، وبين مجموعة مناصرة للنائب أسعد حردان الذي انتخب لمرة ثالثة، الضوء على قضية تُسبّب التباطؤ في تقدم مسعى توحيد «القومي». أين يقع هذا الإشكال داخل مجمل النقاش لتوحيد الحزب؟ وإلى أين وصل هذا المسار؟ ومن هي «حركة 8 تموز» المعارضة لحردان والتي نظّمت اجتماع مار الياس؟

سينتهي خلال أسبوعين، حسب التوقّعات، تشكيل اللجان التي ستقود الحوار بين جناحَي الحزب «السوري القومي الاجتماعي» الذي يترأس أحدهما النائب أسعد حردان والثاني وزير المصالحة في سوريا علي حيدر.

وثمّة مساعٍ قطعت مسافة معقولة لإضافة جناح ثالث من القوميين إلى ورشة الحوار لتوحيد الحزب في سوريا ولبنان، هو جناح جوزف سويد.

مبدئياً، نال مبدأ تشكيل لجان الحوار بين الحزبين المنقادين من حيدر وحردان، موافقة المجلس الأعلى لكليهما. وفور تشكيلها ستبدأ اجتماعات توحيد القوميين السوريين الشاميين واللبنانيين والأردنيين وفي المهاجر، في حزب واحد.

وفي انتظار بدء اجتماعات اللجان، تجدر الاشارة إلى الآتي:

أولاً – تتشكل القوى المدعوّة حالياً إلى التوحّد في حزب قومي واحد، من ثلاثة أحزاب تحمل إسم الحزب «السوري القومي الاجتماعي».

الحزب الأول يترأسه حردان وله قواعد حزبية في لبنان وسوريا؛ والحزب الثاني يقوده حيدر وله وجود في لبنان وسوريا أيضاً. وثمّة حزب ثالث تجرى مساعٍ لضمّه إلى حوار لمّ شمل «القومي» ويترأسه جوزف سويد، وهو موجود فقط في سوريا.

هناك مزايا قوة لكلّ جناح، إذ فيما يمتاز حزب حردان (إذا جاز التعبير) ببنيته العسكرية خصوصاً في سوريا وأيضاً في لبنان، فإنّ «حزب حيدر» يمتاز بتعبيرات سياسية اكثر حضوراً، خصوصاً بعدما نجح من موقعه كوزير للمصالحة الوطنية في إدارة حوارات بين معارضين سوريين وبيئات شعبية معارضة للدولة السورية، انتهت الى نتائج مرضية.

اما الحزب الذي يترأسه سويد فلديه حضور تنظيمي لافت في سوريا، لكنه يعاني من «اليتم السياسي» وذلك على عكس حزبَي حيدر وحردان اللذين لديهما مظلات سياسية إقليمية من دمشق وحارة حريك.

ثانياً – رغم الموافقة المبدئية من المجلسين الأعليين للحزبين المنقادين من حيدر وحردان على متابعة حوار التوحّد، ومباشرة رئيسَي الحزبين بتشكيل لجان لبدء الحوار، لكنّ هناك مطبات ينبغي تجاوزها ليصبح الحوار مبنياً على أسس، منها ما أمكن تذليله لجهة انتهاء التفاوت في المواقف الاساسية بين حيدر وحردان.

فخلال المرحلة الماضية، تقلّص الفرق في الموقف السياسي بين الحزبين، وبعدما كان حيدر مصنَّفاً بأنه رمز أساس للمعارضة الوطنية، بينما حردان موالٍ للنظام، بدأ ممثلو حردان يشاركون في اجتماعات وفود المعارضة الوطنية الى جنيف وفي اجتماعات حميميم جنباً الى جنب مع ممثلي حيدر. وهذا يعني توصّل الطرفين إلى تموضع سياسي متشابه داخل الأزمة السورية، متداخل مع النظام، وغير متنابذ مع طيف واسع داخل معارضة الداخل السوري.

وإضافة الى النقطة التلاقي الآنفة، هناك نقطة تلاقٍ أخرى بين نخب حزبَي حردان وحيدر، تُعبّر عن طموحات وتفيد أنه خلال المرحلة المقبلة، سيكون للفكر السوري القومي الاجتماعي العلماني والعابر للطوائف والكيانات، دورٌ أساس في سوريا المثخنة بالجراح، والتي تحتاج الى مَن يستطيع إعادة اللحمة الى نسيجها الاجتماعي، والمساهمة في استعادة دور إقليمي لها على مستوى الهلال الخصيب، خصوصاً بعد حال التجافي الحاصلة بينها وبين بقية العرب.

وسيتنافس على ذلك أصحاب الفكر السوري القومي مع القوميين العرب (المتمثّلين بـ»البعث» بشكل أساس) والذين يحملون أوزار فشل المرحلة السابقة واليساريين الموزَّعين على المعارضة والموالاة، والليبراليين الذين لم يستطيعوا إنشاء قوة ضاربة، والإسلاميين الذين عليهم بذل جهد كبير لكي يزيلوا عنهم تهم الإرهاب.

ومن هنا يبدو أنّ الطريق ستكون سهلة وسالكة للقوميين السوريين إن وحّدوا مؤسسات حزبهم واتجاهاتها، وهذا سيُعزّز حضورهم في لبنان والأردن والكيانات الأخرى.

عامل ثالث تلتقي عليه نخب حزبَي حيدر وحردان وهو أنّ الوحدة ستسهم في إدخال دماء جديدة الى العمل الحزبي، خصوصاً ممَّن هم خارج الصف حالياً.

لكن في مقابل نقاط التلاقي، هناك مسألة جعلت مسعى توحيد الحزب يتباطأ في مرحلة التفكير به، ولا تزال قائمة رغم قطع أشواط في تجسيده، وتتمثل في أنّ الحزبين المنقادين من حيدر وسويد اضافة إلى مجموعات قوميين مستقلّين، لا يزالون يعارضون خطوة تعديل دستور الحزب الأخيرة التي سمحت لحردان بتولي رئاسته للمرة الثالثة. وهذه الخطوة كانت لاقت اعتراض اعضاء من المجلس الأعلى في الحزب المنقاد من حردان أمثال غسان الاشقر وغيره، ومع ذلك مرّت.

لكنّ تعبيرات هذه المعارضة من القوميين خارج جسم القيادة لا تزال قوية، وأبرز أمثلتها مجموعة كانت تطلق على نفسها سابقاً تسمية «قسم» فيما تطلق على نفسها اليوم تسمية «حركة ٨ تموز».

وقد تؤسس هذه المعارضة ضدّ التجديد لحردان مرة ثالثة، والمشكّلة من قوميين مستقلين ومنتمين إلى قواعد الأحزاب الثلاثة المدعوّة للتوحّد، الى اتجاه لدعم حظوظ أن يصبح حيدر هو رئيس «الحزب القومي الموحَّد» في مرحلة ما بعد الاتفاق على لمّ شمل القوميين والتوحّد، فيما يُتوقع أن يظلّ حردان ممسكاً بناصية القرار العسكري الفعلي في هذا الحزب العتيد.

ثالثاً – فيما لو تشكلت لجنة من كلّ طرف (حزبا حيدر وحردان وربما أيضاً حزب سويد) خلال اسبوعين كما هو متوقع للبدء بالحوار، ستتناول النقاشات تحت عنوان السعي إلى الوحدة المحاور الآتية: مراجعة المحطات التاريخية، آلية إنجاز الوحدة وصيغتها، وخطة الحزب الموحّد ودوره في المرحلة المقبلة.

والظاهر أنّ موضوع الوحدة يحظى بتشجيع من الحليف السوري والحلفاء الآخرين، والغاية هي تشكيل طرف سياسي قوي شريك للبعث في التفاوض على شكل النظام الجديد في سوريا ما بعد الحرب، ورموز الأجنحة في «القومي» تراهن على أن يكون للحزب الموحَّد دور كبير فيها.

ومن المبكر الحديث عن كيفية توزيع المهام داخل الحزب «القومي» الجديد بعد الوحدة، رغم وجود تكهّنات لا يمكن الركون اليها بشكل كبير لأنها مستعجلة، تُرجّح أن يمسك علي حيدر بالواجهة السياسية للحزب، بينما يتولّى حردان إدارة العمل العسكري الى حين انتهاء الحرب السورية.

على الأقل هذه تمنّيات أنصار حيدر والكثير من الرموز الحزبية التي تتطلّع لأخذ أدوار لها داخل الحزب، وهؤلاء يعتقدون أنّ قوة تأثير حردان داخل الحزب حدّت من دورهم.

واستناداً الى الوقائع يمكن رسم خريطة تظهر ما لكلّ طرف داخل مشروع وحدة الحزب القومي من قوة في مقابل الطرف الآخر: فالحزب المنقاد من علي حيدر أثبت بالممارسة وعلى مدى الاعوام الاربعة الاخيرة أنه يستطيع تشكيل مشروع سياسي في سوريا.

والدليل على ذلك مشروع المصالحة الذي نفّذه ونجاحه في تسويقه إلى حدٍّ معقول وإبداؤه قدرة في الدفاع عنه داخل بيئات معارضة الداخل السورية وذلك في أصعب الظروف، ومن ثمّ نجاحه في ترسيخ هذا المشروع لدرجة أنه أصبح في صلب استراتيجية الدولة السورية.

أما حردان فيسجَل له أنه استفاد من تاريخ العمل العسكري للحزب في لبنان، ونقل هذه التجربة إلى سوريا، فشكّل بنية عسكرية أسماها «نسور الزوبعة» محاكاة لإسم منظمة أطلقها مع عدد من رفقائه في ستينات وسبعينات القرن السابق.

في المقابل، استطاع الحزب برئاسة جوزف سويد في الشام تحقيق انتشار سريع خصوصاً في أوساط الشباب (لديه تشجيع وحوار وقبول من بيئات في صلب المجتمع السوري لديها جذور قومية سورية كرامي مخلوف).

هناك نظرية تقول بأنّ إيجاد آلية عملية لتوحيد جهود هذه الأطراف الثلاثة مع انشاء مسار يعمّق الديموقراطية بين هذه «الأحزاب» الثلاثة، سينتج عنه حزب كبير فاعل ومتعدّد المهام. في مقابل نظرية تقول إنّ حوار التوحيد سينتهي إلى اندماج هذه الأطراف الثلاثة وليس وحدتها.