IMLebanon

ماذا عن الإنتفاضة بعد تشكيل الحكومة؟

 

دخل لبنان مرحلة جديدة بعد إكتمال تشكيل سلطاته الدستورية الثلاث بنيل حكومة دياب ثقة البرلمان.

 

من المهم للإنتفاضة أن تتوقف هنيهة وتتبصر بالوضع الناشئ وتوصفه على حقيقته لكي تعرف من تواجه وما تواجهه وكيف يجب مواجهته وما هي الأولويات؟

 

لا أدعي أن لدي كامل الأجوبة الشافية، ولا يمكن لاحد الإحاطة منفردًا بالموضوع بكامله. ولكني، بالمقابل، إستنادا» إلى ممارستي العمل الوطني خلال أكثر من خمسين سنة، يمكنني أن أتقدم ببعض الخواطر التي قد تشكل مادة للنقاش المجدي:

 

1- إن حزب الله بات يتحكم بدهاء بالمؤسسات الدستورية الثلاث وهو يمسك بها بشكل غير مباشر: فرئيس الجمهورية هو حليفه الأكيد وثمة غالبية في البرلمان تدين له بالولاء وهو ممسك بقرار حكومة دياب ويقودها من خلف الستار، وله نفوذه القوي داخل مؤسسات الدولة وإداراتها كافة، بحيث يمكننا القول أن الدويلة إبتلعت الدولة.

 

2- إن حزب الله يمتلك قدرات عسكرية وأمنية هائلة خارج إطار الدولة.

 

3- إن حزب الله له إقتصاده الموازي (إقتصاد «المقاومة») الذي يثقل كاهل الإقتصاد اللبناني.

 

4- إن حزب الله هو جزء لا يتجزء من الجمهورية الإسلامية الإيرانية وهو الطرف الرئيسي في فيلق القدس الموكلة إليه مهمة تصدير الثورة إلى اصقاع العالم في إطار الحرس الثوري الإيراني. وبذلك، وخاصة بعد إغتيال قاسم سليماني وإطلاق أمينه العام السيد حسن نصر الله سياسة إخراج الجيش الأميركي من المنطقة باسم «محور المقاومة»، فهو يحّمل لبنان عبئاً» لا يمكن تحمله ويضعه في عين العاصفة التي تعصف بالإقليم.

 

5- إن حزب الله هو الحامي للطبقة السياسية الحاكمة الفاسدة وهو بحاجة لها لتكون الدرع الواقي الذي يسمح له بالقيام بمهامه الجهادية.

 

6- حتى الساعة، لا يزال الثلاثي جنبلاط-الحريري-جعجع في تواصل غير مباشر مع حزب الله ولم يخرج تماما» من الصفقة التي أبرمها معه منذ أكثر من ثلاث سنوات، وذلك بالرغم من قفزه من «تيتانيك» السلطة ومعارضته المستجدة «الواقعية والرصينة والحكيمة» وعدم مشاركته في حكومة دياب. وقد تبين ذلك جليا» من خلال تصرف الثلاثي في جلسة الثقة وما قبلها وما بعدها ويتبين أيضا» من خلال مراعاته الحزب بما يخص سلاحه والسكوت عن تدخلاته في الإقليم وعدم الإشارة الى حقه في «المقاومة» في البيان الوزاي، ما يؤكد على هزال سياسة النأي بالنفس الذي يؤيدها.

 

7-  لا تزال الطبقة الحاكمة الفاسدة تتمتع بنقاط قوة: حماية حزب الله لها، المال، السطوة على الإدارة والقضاء والقوى الأمنية من خلال المحاصصة والزبائنية السياسية المزمنة ولا يزال الجيش تحت إمرة السلطة المتحكمة بالدولة.

 

8- بالرغم من أن الإنتفاضة اثبتت وجودها على الساحة الوطنية كقوة شعبية ضخمة لا يمكن تجاهلها، لا من الداخل ولا من الخارج، وبالرغم من أن السلطة لم ولن تتمكن من القضاء عليها مهما فعلت وسوف تفعل، كما لم ولن يتمكن الثلاثي «المعارض» أن يستوعبها أو أن «يسحقها»، فإن ميزان القوى، بمكوناته العسكرية-الأمنية-السياسية، الداخلية والخارجية، لن يعطي الإنتفاضة النصر الحاسم في المرحلة الراهنة. وفي مطلق الأحوال لن يكون هذا النصر من خلال المسار الدستوري كمطالبة السلطة بأن تشكل حكومة إختصاصيين مستقلين أو مطالبتها  بإنتخابات مبكرة (أي مطالبتها أن تقضي على نفسها بنفسها)، علما» أن من سيضع قانون الإنتخاب هو هذا البرلمان المنبثق عنه وأن الطبقة الفاسدة لا تزال تحظى بالمال ولا يزال حزب الله يحظى بالسلاح والقوة والتحكم بمسار العملية الإنتخابية.

 

9- لا شك أن حزب الله يعاني ولكنه لا يزال ممسكاً بقاعدته الشعبية إلى حد بعيد بالرغم من تنامي الإعتراضات في الطائفة الشيعية الكريمة. أما أحزاب السلطة، فهي على طريق الترهل فالزوال. وهي بحالة الموت السريري وقادتها-الآلهة باتوا بشرا» عاديين وقد فقدوا «وقارهم»، وهيبتهم وعنجهيتهم وباتوا يخشون الظهور بأماكن عامة.

 

10- حكومة دياب هي حكومة حزب الله بإمتياز، وإن لبست قناع الإختصاصيين.

 

فمن يعين يأمر. ولا مجال للإعتراض أو الإستقالة لوزرائها. من الواضح من خلال تصريحات أصحاب الشأن، أن من عينهم سوف يسقطهم بعد مئة يوم إذا عجزوا عن تأمين المساعدات الخارجية لوقف التدهور الإقتصادي-المالي-النقدي، وحملوا الحكومة مسؤولية الإنهيار. فهي أما أن تنجح بخداع الدول المانحة لحساب من أتى بها أو تلعب دور وكيل التفليسة.

 

11- لا بد من التمييز بين الدولة والسلطة القابضة على الدولة. فالإنتفاضة ضد السلطة القابضة على الدولة (البعض يسميها النظام). فالمطلوب، إسقاط السلطة وليس الدولة.

 

12- السلطة القابضة على الدولة مكونة من حزب الله والطبقة السياسية الحاكمة الفاسدة. لذا، عند تسليم حزب الله سلاحه تنهار حكما» هذه الطبقة التي هي بحالة موت سريري. أما تسليم حزب الله لسلاحه للجيش اللبناني، فتقرره التطورات التي تدور في الإقليم.

 

13- حل المعضلة الإقتصادية-المالية-النقدية ليس تقنيًا. وطالما يستمر حزب الله بالإمساك بالوضع اللبناني، فالحل غير متوفر. والخطر يتعدى الإفلاس إلى إنهيار الدولة والأمن والكيان والمجتمع. لم يشهد لبنان حالة هشة مثل تلك التي يعيشها اليوم.

 

14- أما في حال تخلف حزب الله عن الإمساك بالوضع اللبناني، فتنهار الطبقة الحاكمة الفاسدة وينهض لبنان من كبوته الإقتصادية بسرعة البرق نتيجة إستعادة الشعب للسلطة وتاليا» نتيجة الثقة الشعبية والعربية والدولية وثقة الإغتراب اللبناني بالدولة اللبنانية الحرة السيدة المستقلة الديمقراطية المتحضرة الخالية من الفاسدين والمفسدين، ونتيجة قدرة وتفوق الفرد اللبناني وطاقاته.

 

15- لذا، يجب على الإنتفاضة العودة إلى الأساسيات:

 

– التمسك بالدستور وإتفاق الطائف الذين لن يطبقا إلا إنتقائيا» وبشكل مشوه، علما» أنهما يختزنان آلية بناء الدولة وصولا» إلى الدولة المدنية (المادة 95 من الدستور).

 

– التمسك بسياسة خارجية تعطي الأولوية للبنان وتقوي أواصر علاقاته مع الدول العربية الصديقة وتحييده عن صراعات المنطقة القاتلة، كما لا تحمله أعباء مناصرة اية قضية ولو محقة لأي شعب شقيق إلا بقدر ما لا يضر بمصالح لبنان العليا.

 

– الإصرار على تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان، ولا سيما القرارين 1559 و1701.

 

16- يتوجب على الإنتفاضة:

 

– الحفاظ على سلمية الإنتفاضة ونبذ أي تصرف عنفي يخدم السلطة التي تريد أن تضرب صورة الإنتفاضة ووضعها في مواجهة الجيش والقوى الأمنية والشعب.

 

– عليها العمل على زيادة التنسيق بين مكونات الإنتفاضة والتوحد حول أهدافها النهائية.

 

– الإتفاق على الأساسيات والهدف النهائي المرتجى والإستراتيجية والتكيكات للوصول إلى تحقيق هذا الهدف. بالرغم من عمومية هذا الكلام، لن أدخل في تفاصيله في هذا المقال لأن هذا أمر دقيق يقع على عاتق من يرى ان له القدرة والرغبة على المساهمة في بلورته.

 

– الإتفاق على وظيفة الإنتفاضة في المرحلة الراهنة وهي أن تتصرف كسلطة مضادة بمعى أن تراقب أعمال السلطة في كافة المجالات والوزارات وتتحرك سريعا» على الأرض عند ملاحظتها أي خلل في أعمالها وتحاسبها وتطرح الحلول المجدية. وهنا يتوجب الإتفاق على آلية عملية لتحقيق هذا الهدف.