IMLebanon

يرتكبون ولا يكتفون

 

لا يختلف اثنان على أنّ لبنان يتمتع بأمهر الأطباء والجرّاحين في العالم، وأبرع المحامين والقانونيين، وأشطر المصرفيّين والخبراء الماليين، وأرقى المهندسين، وأبسَل الضبّاط والعسكريّين، وأعذب الأدباء والفنانين والمثقّفين، وأوفى المغتربين وأنجح المنتشرين في العالم… وفي المقابل ينوء لبنان تحت عبء بعضٍ من أسوأ السياسيّين وأعجزهم، وأفسد الإداريين وأفشلهم في العالم.

 

ولا يختلف اثنان على أنّ الخطر الاقتصادي والمالي يدق الابواب، والتحذيرات على كل شفة ولسان، وبعض السياسيين الحاكمين بدستور أو خارج الدستور، والمتحكّمين برقاب العباد، لا يهزّ لهم جفن، ولا تنهزّ لهم هِمّة، ولا يوقظهم ناقوس خطر يدقّه البنك الدولي.

 

ولا يختلف اثنان على أنّ المواطن يكاد يُذلّ على باب كل إدارة، وكل مؤسسة، وكل دائرة، وكل مصلحة. وكلما أراد إنجاز معاملة، مَدّ يده الى جيبه اذا لم يكن مدعوماً، والى الهاتف استنجاداً لوساطة، اذا كان محظوظاً.

 

لم يَعُد ينفع مع الطبقة السياسية المتمادية منذ دهور، صَوت، ولا قلم، ولا ألم.

 

لم يَعد ينفع صبر، ولا اتهام ولا شكوى.

 

إنه زمن الوطن الواقع تحت لا رحمة قوى الأمر الواقع.

 

زُجّ الوطن ورقة في نزاعات دولية وإقليمية، وحوِّل رهينة لمناكفات واصطفافات قوى محلية، جاهزة للاشتباك بطلب وبلا طلب…

 

هل يدرك أصحاب اللاحَل واللارَبط أنّ الناس مَلّت، سئمت ويئست من استغلالها واستغبائها والاستهزاء بأبسط حقوقها وكرامتها؟

 

هل يدركون انّ الناس آخر همّها من يحجز الكراسي ويصادر الحقائب التي يتقاتلون على دسامتها ووسامتها؟

 

هل يدركون أنّ الناس في بلادنا، حتى في أيام الحرب، لم يَروا زمناً أسوأ من هذا الزمن، ولا أردى من هذا المشهد، ولا أفشل من هذا العجز؟

 

لا احترام للدستور،

 

لا التزام بالقانون،

 

لا احتكام للمنطق،

 

لا تقدير للكفاءة،

 

لا حقوق للمواطن.

 

لا محاسبة إلّا لمَن لا ظهر له.

 

فعلاً، إنّ المواطن اللبناني يستحق أنبل الجوائز لتحطيمه الارقام القياسية في تَحمّل سياسيين يَعدون ولا يَفون، يرتكبون ولا يكتفون، يحاسِبون ولا يحاسَبون، يتحاصَصون ولا يشبعون…

 

فعلاً، إنّ المواطن اللبناني يستحق أرفع الأوسمة، لأنه صبر ما لم يصبره أيوب، ولم ييأس حتى بعدما سُدّت في وجهه كل الدروب.