IMLebanon

إلامَ انتهت التسوية؟

لم ينتهِ اللقاء القصير بين رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب العماد ميشال عون وزعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية إلى تفاهم بينهما على التسوية التي طرَحها الرئيس سعد الحريري وطرَح فيها فرنجية مرشّحَ تسوية لرئاسة الجمهورية مقابل توَلّيه هو رئاسة الحكومة.

فرنجية هو الذي طلبَ اللقاء مع عون ليشرحَ له هذه التسوية وظروفها وأبعادها، فردّ الأخير بأنه متمسك بترشيحه لرئاسة الجمهورية، وانتهى اللقاء الى لا اتّفاق، أو ما يشبه الافتراق، ولم تجَمّله العبارات التي سَرّبها العونيّون عبر محطة «او. تي. في» من أنّ «اللقاء كان جيّداً جدّاً، بحيث طغَت عليه الأجواء الإيجابية في كلّ دقيقة منه»، وأنّه تمّ خلاله تأكيد «صلابة» الحلف بين الرَجلين، وأنّ فرنجية «باقٍ على مواقفِه السابقة والمعروفة لجهة دعمِه المعلن للعماد عون»، وأنّ الأخير أكد «حِرصه الكامل على موقع فرنجية والعلاقة التحالفية معه»، فضلاً عن «التوافق الكامل على متابعة مجرَيات الاستحقاق الرئاسي بين جميع أركان تكتّل التغيير والإصلاح للوصول به إلى برّ السلام والخير للبنان».

ويروي قطبٌ سياسي أنّ التسوية الحريرية تبلوَرت من خلال لقاءات استطلاعية أجراها السفير الاميركي السابق ديفيد هيل في بيروت منذ أيلول الماضي خرجَ من خلالها بتصَوّر مفادُه أنّ الإتيان بفرنجية «رئيس تسوية» يمكن أن يكون مدخلاً لحلّ الأزمة اللبنانية ويَحفظ الاستقرار اللبناني الذي تحرَص عليه الإدارة الأميركية وعواصم غربية وإقليمية.

وقد حملَ هيل هذا التصَوّر إلى الخارجية الأميركية التي أقنعَت الإدارة الاميركية به على قاعدة أنّه يحفظ الاستقرار اللبناني ويوسّع دائرته، وكان أن أقنعَت الإدارة الفرنسيين والفاتيكان والقيادة السعودية به، فطلبَت الرياض عندئذ من الرئيس سعد الحريري الاجتماع بفرنجية والبَدء بتسويق هذا التصَوّرـ التسوية على معادلة: فرنجية رئيساً للجمهورية والحريري رئيساً للحكومة.

ويقول هذا القطب إنّ فريق 8 آذار تعاطى مع هذه التسوية على أنّها تسوية جدّية وليست للمناورة، على رغم أنّه قرأ في بعض خلفياتها ما يشير إلى أنّ في حسبان مطلِقيها أنّها إذا نجحت يكونون قد كسبوا، وإذا لم تنجح فسيكون من السهل عليهم تحميل «الفريق الآخر» مسؤولية فشلِها ويضعونه في خانة معطّلي حلّ الأزمة اللبنانية.

ويرى القطب نفسُه أنّ الحريري وفرنجية أخطأا في التصرّف مع التسوية المطروحة، فالحريري بدلاً من أن يحضر الى بيروت ويسَوّقها داخلَ تيار «المستقبل» ولدى حلفائه ويقنِعهم بها، تَفرّدَ بطرحها من دون التوقف عند رأيهم. أمّا فرنجية الذي استمعَ إلى ما لدى الحريري فكان يمكنه أن يُبدي موافقة مبدئية عليها إذا أراد، ويَستمهل الحريري في الوقت نفسه لاستشارة حلفائه والوقوف على رأيهم فيها وإقناعهم بها، ولكن كانت النتيجة هي ما آلت إليه هذه التسوية من تعَثّر، إنْ لم يكن تعطيلاً، حيث إنّ المتشائمين يقولون إنّها طويَت وإنّ غداً يومٌ آخر، فيما المتفائلون يقولون إنّها «وضِعت في الدرج» بانتظار لملمةِ التداعيات التي أحدَثتها في صفوف فريقَي 8 و14 آذار، في وقتٍ رهنَ البعض مصيرَها بما ستؤول إليه العلاقة بين عون وفرنجية.

البعض يقول إنّه سيكون من السهل على أركان فريق 8 آذار ترميم التصدّع الذي أصاب العلاقة بين عون وفرنجية وتيارَيهما السياسيين، بل إنّه سيكون سهلاً عليهم إعادة موقع فرنجية إلى ما كان عليه قبل التسوية، بأن يُقال له إنّه ربّما أخطأ بالتصرّف، ولكنّ هذا الخطأ لا يتحمّله هو، ولكن في المقابل ستُبذل جهود كبيرة لإعادة تطبيع واقع عون وتيّاره الذي شنّ حملات شعواء على فرنجية ومحازبيه وأنصاره.

أمّا في المقلب الآخر فإنّ الحريري سيواجه صعوبات كبيرة في محاولته لإعادة تطبيع العلاقة بينه وبين جمهوره وبينَه وبين حلفائه، ولا سيّما منهم مسيحيّو فريق 14 آذار الذين شعروا بأنّه «تجاهلهم» عندما اندفعَ في طرح التسوية من دون التنسيق والتوافق المسبَق عليها معهم.

ووسط هذه المعطيات والتطوّرات بدأ بعض أركان طاولة الحوار بين رؤساء الكتَل النيابية يسألون عمّا يمكنهم أن يفعلوه بعد «تجميد» التسوية الحريرية أو «سقوطها»، وكذلك يتساءلون عمّا إذا كان عِقدُ هذه الطاولة التي ستجتمع في 14 من الجاري سيَبقى مكتملاً في ضوء الخلافات التي أحدثَتها التسوية داخل صفوف كلّ فريق من الأفرقاء المتحاورين.

بعض السياسيين يعتقد أنّ الحوار الذي يحرَص راعيه رئيسُ مجلس النواب نبيه بري على استمراره ربّما سيساهم في المساعدة على لملمة التداعيات التي نجَمت من التسوية التي لم يُكتب لها النفاذ بعد، لأنه في الأساس استجلب ملفَّ الاستحقاق الرئاسي من الجمود إلى طاولة البحث، وتوصّلَ الى توافق على مواصفات الرئيس العتيد ولم يُسقِط هذه المواصفات على أيّ مرشح، وإنْ كان بعض المرشحين وجَد فيها ما ينطبق عليه.

أمّا التسوية فإنّها تجاوزَت الحوار ودخلت مباشرةً في تسمية الرئيس مشفوعةً بتحديد رئيس الحكومة المقبلة وتفاصيل حكومية أخرى، فضلاً عن قانون الانتخاب وخلافه.

وفي المحصّلة فإنّ كلّ المعطيات تشير إلى أنّ الشغور الرئاسي سيستمر حتى السَنة الجديدة، وأنّ الجلسة الانتخابية المقررة في 16 من الجاري ستلقى مصير سابقاتها من عدم اكتمال النصاب، ليحدّد رئيس مجلس النواب موعداً لجلسة جديدة خلال الشهر المقبل.