IMLebanon

هكذا نُسقط مشروع الفتنة في طرابلس

 

علامات استفهام حول تسهيل الفوضى ورعاية التحريض واستثمار ذلك!

 

لم تكد طرابلس تتنفـّس من جديد وتستعيد حيويتها في الاعتراض على السلطة، كاسرة قيود وباء كورونا، حتى اقتحمت المشهدَ مجموعاتٌ من الشبان أثارت الفوضى واشتبكت مع الجيش وأقدمت على إحراق المصارف ومحاولة كسر وخلع بعض محلاّت بيع المواد الغذائية، ناشرةً الفوضى والدخان الأسود في أجواء المدينة، ومعيدة تشويه وجه «أيقونة الثورة».

 

ليست حادثة منفرِدة

 

هذه الواقعة لم تأتِ من فراغ، لأن طرابلس تشهد منذ أشهر ظواهر تفلّت أمني مشبوهة لا يمكن تصنيفها إلاّ في إطار استهداف أمن المدينة وإعادتها إلى حالة الفوضى التي سادت قبل سنواتٍ قليلة عندما تُركت عاصمة الشمال فريسة مجموعات حملت السلاح وأدارت الاشتباكات وفرضت الخوّات وأسقطت المئات بين شهيد وجريح ومعاق، فبات شبح تلك المرحلة يحوم من جديد.

 

يتوقف المتابعون عند عودة ظاهرة إطلاق النار ورمي القنابل في أرجاء طرابلس وظهور المجموعات المسلحة في شوارع الأحياء في الليل مع ما تحمله عودتـُها وتوسّعها من هواجس ومخاوف مبرّرة من عودة الفوضى، مع التساؤل عمّن يملك الغطاء للظهور المسلّح والحصانة من ملاحقة القوى الأمنية، وكيف يمكن أن يُلقى القبض على بعض مطلقي النار ثم يُطلق سراحهم بحجة أنهم كانوا في حالة سكر ولا يدرون ما يفعلون. هل يسمح القانون للسكارى بالتجوّل المسلّح وإطلاق النار وترويع الآمنين وأن يحظوا بالحصانة من دون العالمين؟!

 

من يسهّل الفوضى في طرابلس؟

 

هذه الظاهرة جعلت حضور الدولة يتراجع في طرابلس ومستوى الأمن يتدنـّى، فبات أبناؤها محاصرين بالبطالة والوباء وتهديد الغوغاء، في وضعية لا يمكن معها فهم دور الأجهزة الأمنية العاجزة عن توقيف هذه المجموعات وكشفها وإعلان من يقف وراءها.

 

التسويق لدخول الإرهاب

 

هل يمكن فصل ظاهرة إطلاق النار ورمي القنابل عن إحراق المصارف في الأسبوع الماضي؟ وكيف يمكن تفسير إعادة التسريبات عن «دخول مجموعات متطرفة من سوريا إلى طرابلس لتنفيذ أعمال إرهابية»؟

 

من المنطقي الربطُ بين كلّ هذه الأحداث لأنها تؤدي إلى نتيجة واحدة: عودة استهداف طرابلس وضربها بمظاهر الفوضى وإسقاط صورتها الجميلة التي تألقت فيها مدينة ثارة تحرّك مشاعر وقبضات اللبنانيين من أقصاه إلى أقصاه.

 

من يمنع الجيش من حفظ الأمن؟

 

غير أنّ السؤال الأهم: ما الذي منع الجيش من وقف الاعتداءات على المصارف، ولماذا انتظرت قوى الجيش انتهاء عمليات الحرق للتدخل، ولم تقمع المعتدين خلال ارتكابهم الجرم المشهود، وكيف يمكن فهم هذا العجز عن حماية الممتلكات العامة والخاصة وعناصر الجيش وضبّاطه على بُعد خطواتٍ من مواقع المصارف المستهدفة؟

 

لذلك، تبرز الحاجة إلى المزيد من التعمّق في التحقيق بما جرى في طرابلس وإلى إحضار جميع المشاركين في أعمال التخريب والإحراق للمصارف والمؤسسات وآليات الجيش إلى التحقيق، وصولاً إلى معرفة الجهات التي دفعت الأموال وأعطت الأوامر وأعاقت الجيش ومنعته من حماية تلك المرافق، مع التأكيد على ضرورة إعلان نتائج التحقيق وكشف الجهات الآمرة التي تقف وراء تلك النكبة التي ضربت قلب المدينة، لأنّ هويتها، على الأرجح، لن تسرّ قوى السلطة، ولهذا يُخشى أن لا تصل التحقيقاتُ إلى شيء.

 

بادروا قبل فوات الأوان

 

هناك من كان ولا يزال يدفع إلى أن تكون المدن السنية، وخاصة طرابلس وصيدا، مرتعاً للفوضى والإنفلات الأمني بدل أن تكون مساحة للثورة والحرية، وهذه ليست المرّة الأولى التي تتعرّض فيها لهذا التشويه المقصود. وليس لهذا الاستهداف سوى مصدرٍ واحد يعلمه الجميع ويعلن عن نفسه بالفعل قبل القول، فبصماتـُه السوداء لا تزال ظاهرة في مخيم البارد وشوارع طرابلس ومساجدها ويعرفه أهلُها الذين ليس لهم خيار سوى لملمة جراحهم بعد كلّ جولة قتال وبعد كلّ تفجير لمسجد أو ساحة، ثمّ التمسّك بما يحملونه من قيم الثبات والاعتدال والعيش المشترك.

 

لكن، لا يمكن الاتكال على تدابير الأقدار وحدها، وعلى الفعل التلقائي للناس في مواجهة المحن، بل إنه لا بدّ من الأخذ بالأسباب، فأهل طرابلس ومجتمعها المدني وقواها الفاعلة، مدعوّون للمبادرة من أجل وقف مخطّط إعادة الفوضى إلى طرابلس، وهذا لا بدّ من أولويتين:

 

– وقف مسلسل التحريض على الجيش الهادف إلى خلق بيئة معادية للمؤسسة العسكرية تسمح للمجموعات المتطرفة التي يجري تسويقُ دخولها بإيجاد بيئة حاضنة.

 

– مخاطبة قيادة الجيش بشفافية ووضوح حول الدور المطلوب في حفظ الأمن والاستقرار ورفض أن يكون العسكر شاهد زور على تخريب المدينة بأيّ شكل من الأشكال.

 

هذان التوجهان ضروريان لأن ما جرى كان مجرّد جولة من حربٍ بدأت وستكون طويلة على طرابلس.