IMLebanon

طرابلس وتمثال عبد الحميد من الجد إلى الأب إلى الحفيد

 

في الرابع والعشرين من تشرين الثاني من العام 1963، رُفِعَت الستارة عن تمثال الرئيس عبد الحميد كرامي في طرابلس، في احتفال مهيب تقدَّمه رئيس الجمهورية آنذاك اللواء فؤاد شهاب ونجل صاحب التمثال الرئيس رشيد كرامي الذي كان رئيساً للحكومة. بعد ثلاثة عشر عاماً على وضع التمثال، وتحديداً في آب من العام 1976، وفي ذروة التصعيد العسكري في «حرب السنتين»، انفجرت عبوة ناسفة وضعت امام منصته فحولته إلى حطام. منذ ذلك التاريخ، بقيت ساحة عاصمة الشمال الرئيسية تحمل اسم عبد الحميد كرامي في غياب التمثال. في عام 1984، قامت «حركة التوحيد الإسلامي» بوضع مجسّم لكلمة «الله»، بديلاً من التمثال، وسط الساحة، وكُتِب عند قاعدة المجسَّم عبارة «طرابلس قلعة المسلمين» من جهة، والآية القرآنية «الله نور السموات والأرض» من الجهة الأخرى.

 

مرّت قرابة النصف قرن على نسف التمثال. و38 عاماً على وضع مجسَّم «الله» مكانه، لا الرئيسان الراحلان، رشيد كرامي وعمر كرامي أعادا التمثال، ولا النائب فيصل كرامي أعاده، علماً أن تماثيل كثيرة تم تفجيرها لكنها أُعيدت إلى مواقعها، كتمثال الرئيس رياض الصلح، وتماثيل صمدت كتمثال الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وتماثيل استُحدِثَت كتمثال قائد فيلق القدس قاسم سليماني.

 

لماذا لم تتم إعادة تمثال الرئيس عبد الحميد كرامي إلى مكانه؟

 

قبل الإجابة، لا بد من إلحاق السؤال بسؤال ثانٍ: مَن له مصلحة في إعادة التمثال؟

 

باستثناء النائب فيصل كرامي، لا أحد من شخصيات طرابلس ومرجعياتها، له مصلحة في إعادة التمثال.

 

فإعادته تعني إعادة ترسيخ زعامة آل كرامي على المدينة، وهذا ما لا ترضى به كل القيادات التي

 

«ورثت» كل واحدة منها جزءاً من هذه الزعامة:

 

من الحريرية السياسية التي تمددت في عاصمة الشمال مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري وانحسرت مع الرئيس سعد الحريري، إلى الرئيس نجيب ميقاتي الذي إلى اليوم يرتاب منه الرئيس الحريري، إلى الوزير أشرف ريفي، إلى التيارات الإسلامية بدءاً من «حركة التوحيد الإسلامي» منذ أيام الشيخ سعيد شعبان إلى الجماعة الإسلامية مع الداعية فتحي يكن إلى الشيخ كنعان ناجي مسؤول تنظيم جند الله… وبين زعامة آل كرامي والإسلاميين، مرَّ على المدينة أبو عمَّار والسوريون، وخاضوا معارك عنيفة في شوارعها وازقتها، وأدت إلى الخروج الثاني لأبو عمَّار من لبنان، عبر طرابلس، بعد خروجه الأول من بيروت عام 1982.

 

طرابلس هي كل هذا الخليط. الجميع مرّوا على عاصمة الشمال، الجميع أخذوا منها ولا أحد اعطاها، فليس غريباً أن يتطلَّع أبناؤها إلى الهروب الجماعي، بعدما ضاقت سبل العيش بهم، في مدينتهم، وبعدما اكتشفوا أن لا الزعامات التقليدية، ولا الحديثة، قادرة على انتشالهم من جهنم.